رابعا : إن
دراستنا لشخصية النبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم تدلّ على أنه كان واعيا كل الوعي لعقيدة التوحيد التي تمثل
جوهر رسالته بمستوى لا يسمح بوجود أيّة حالة التقاء بينه وبين المشركين لجهة ما
يتعلّق بالأوثان وبعبادتها ، لأنه كان يعمل على تعميق الفصل بين عقيدة الشرك
وعقيدة التوحيد ، كي لا يقترب الشرك من التوحيد ، ونلاحظ ذلك في سورة «الكافرون»
التي تعبر عن حساسية مفرطة ضد الشرك ، فهو ينتبه إلى أيّة كلمة تصدر من الآخرين في
ذلك ، فكيف يغفل عما يصدر منه؟!
لقد كان التوحيد
كل فكره ، وكان الوصول إليه كل همّ دعوته ، والهدف الأساس الذي سعى إلى إيصال
الناس إليه ، فكيف يمكن أن يسيء إليه في كلامه؟! إن هذا لا يمكن أن يقول به إنسان
يحترم العقل في تحليله للأمور.
وعلى ضوء هذا ،
فإننا لا نستطيع الوثوق بصدور هذه الرواية عن ابن عباس ، أو سعيد بن جبير ، أو
غيرهم من التابعين ، لأننا نحترم فكرهم ومعرفتهم بالنبي وبالإسلام وبالقرآن ، فقد
تكون هذه الرواية من الروايات الموضوعة على لسان كثير من الصحابة ، يريد بها
المنحرفون الإساءة إلى النبي وإلى الإسلام ، لأنها تمثل مخالفة لكتاب الله الذي لا
يجيز صدور مثل هذا عن النبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وقد فسّر
المعترضون على هذه الرواية الآية بطريقة أخرى ، فقد ذكر صاحب الميزان أن التمني في
الأصل معناه : المني بالفتح فالسكون ، بمعنى : التقدير ، وعليه يكون معنى قوله
تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ
قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى) أي «إلّا إذا تمنى وقدّر بعض ما يتمناه من توافق الأسباب
على تقدم دينه وإقبال الناس عليه وإيمانهم به ، ألقى الشيطان في أمنيته وداخل فيها
بوسوسة الناس وتهييج الظالمين وإغراء المفسدين ، فأفسد الأمر على ذلك الرسول أو
النبي ، وأبطل سعيه ، فينسخ الله ويزيل ما يلقي الشيطان ثم يحكم