قطع : أي : اختنق ، وكأنه مأخوذ من قطع النفس ـ كما جاء في الميزان ـ (١).
* * *
الله ناصر نبيّه
(إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الذين اختزنوا الإيمان في عقولهم ومشاعرهم كحقيقة للفكر وللعاطفة في دائرة التصور والالتزام ، وعاشوه في ممارساتهم في دائرة المسؤولية العملية كخطّ للحياة ؛ كان جزاؤهم (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) ينعمون بها في ساحة رضوانه (إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) فهو الذي أراد لهم الكرامة ، وهو الذي يحقق إرادته في الواقع ، ولا يستطيع غيره ذلك ، لأنه هو الذي يملك الأمر كله ، ولا يملك غيره منه شيئا ..
(مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) ، والضمير في (يَنْصُرَهُ) ـ كما قيل ـ راجع إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الذي كان المشركون في مكة يستهينون به ، ويستصغرون دور رسالته ، ويظنون أنه لا يملك حمل الناس على الإيمان بها ، والدخول في دينه ، واتساع سلطانه ، لأن موقعه الاجتماعي لا يتيح له ذلك ، ولأن رسالته تصدم العقيدة العامة للناس ، لذا كانوا ينتظرون سقوطه وانتهاء دوره بين لحظة وأخرى ، ولكنهم فوجئوا بانتصار رسالته ، وتجسدها في الواقع ، ودخول الناس في دينه أفواجا ، فغاظهم ذلك وخيّب أملهم ، فجاءت الآية لتواجههم بذلك وتقول لمن لم يعجبه الأمر : (فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ) وذلك بأن يمد حبلا فيربطه بجذع شجرة عال (ثُمَّ لْيَقْطَعْ) الحبل فيختنق به (فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ) مما لا يعجبه من نصرة الله لنبيّه؟! فكأن
__________________
(١) الطباطبائي ، محمد حسين ، الميزان في تفسير القرآن ، مؤسسة الأعلمي ، بيروت ـ لبنان ، ط : ١ ، ١٤١١ ه ـ ١٩٩١ م ، ج : ١٤ ، ص : ٣٥٢.