الفكر الذي يلقيه للناس .. وكيف يغفل عن المسألة حتى في الحال التي يعرض فيها القرآن على جبريل؟! إن معنى ذلك أنه لا يعي التنافي بين هاتين الكلمتين وبين تمام الآيات في هذا المجال.
أمّا إذا صدر منه ذلك عن وعي ، بقصد تقريبهم منه ، عبر ذكر آلهتهم بخير ، فهل يمكن أن يتم ذلك في سياق الإساءة إلى الدعوة التي أراد أن يدفعهم إلى الإيمان بها؟ فإن السعي إلى استرضاء من تريد إقناعهم بفكرة ما ، لا يكون بتأكيد موقفهم والإساءة إلى الفكر المراد الإقناع به. ثم كيف يصدر ذلك من الرسول وينسبه إلى الله ، وكيف لم ينتبه إلى أن سجودهم معه كان سجودا للأصنام لا لله ، مما يفرض عليه أن يدرك طبيعة النتيجة السلبية التي انتهى إليها الأمر؟!
ثالثا : إن هذه الرواية ـ لو صحّت ـ تجعل من صدور شيء من هذا القبيل من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في آيات أخرى أمرا محتملا ، باعتبار أن الشيطان ألقاها على لسانه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، الأمر الذي يؤدي إلى عدم الثقة بكلام الله ، فمن الممكن ـ كما يقول صاحب الميزان ـ «أن يكون بعض الآيات القرآنية من إلقاء الشيطان ثم يلقي نفس هذه الآية : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍ) الآية ، فيضعه في لسان النبي وذكره ، فيحسبها من كلام الله الذي نزل به جبرئيل كما حسب حديث الغرانيق كذلك ، فيكشف بهذا عن بعض ما ألقاه وهو حديث الغرانيق سترا على سائر ما ألقاه ، أو يكون حديث الغرانيق من كلام الله ، وآية: (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍ) إلخ ... جميع ما ينافي الوثنية من كلام الشيطان ، ويستر بما ألقاه من الآية وأبطل من حديث الغرانيق على كثير من إلقاءاته في خلال الآيات القرآنية ، وبذلك يرتفع الاعتماد والوثوق بكتاب الله من كل جهة» (١).
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ١٤ ، ص : ٣٩٩.