إلى الظلم ظلما جديدا ، فقد يظلمك الظالمون ، فيخنقون حريتك في الكلمة والحركة ووسائل العيش ومواقع الحياة ، ويضيّقون عليك الساحة الواسعة ، ولكنهم مع ذلك يتركونك مع أهلك وولدك ، في أرضك التي ولدت فيها وترعرعت ، وعمّقت جذورك في جذورها ، حتى أصبحت جزءا منها ، وأصبحت جزءا منك ، وهكذا فإن وجودك في أرضك مع أهلك وأحبائك ، وما تلقاه من المباهج فيها ، يشعرك ببعض التعويض عما تصادفه من الآلام فيها .. ولكن الذين يفرضون عليك الغربة ، ويخرجونك من أرضك ، ويقتلعونك من جذورك ، بعد أن يضغطوا على حريتك ، ويمنعوك من اختيار النهج الذي تتخذه لنفسك في الحياة ، والفكر الذي تتبناه ، والحركة التي تختارها ، هؤلاء الذين يشردونك ويبعدونك عن ملاعب صباك ، لا لشيء إلا لأنك تؤمن بالله الواحد ، وتعلن إيمانك هذا تقريرا للحقيقة الكونية التي ينطق بها الكون بأسره وتقول (رَبُّنَا اللهُ) في مواجهة كلّ شرك وثنّي يشوّه الحقيقة ، ويبعد الإنسان عن صفاء التصوّر للعقيدة وللعبادة وللحياة .. هؤلاء هم الظالمون البعيدون عن خط العدالة الإنسانية ، لذا فإن قتالهم ما هو إلّا لدفع ظلمهم المزدوج ، وما هو إلّا عمل إنساني خدمة للإنسان في الحياة ، وخدمة للحياة بتأكيد خط العدالة فيها.
* * *
فطرة التدافع .. توازن الحياة
(وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً).