بدء مرحلة القتال
(أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) لقد انتهت المرحلة التي كان اللجوء إلى العنف والقتال في ساحتها أمرا سلبيا ، لأن ذلك كان يشكل خطرا على التخطيط لانطلاقة الدعوة في الجزيرة العربية ، وللتحضير للمجتمع الإسلامي الأوّل في يثرب ، فقد شكّلت يثرب أرضا صلبة جديدة للإسلام ، حيث بدأ يتحرك في نطاق واسع يملك أكثر من عمق في محيطه ، الأمر الذي يحميه من حالة الاهتزاز والسقوط أمام ضغط المشركين ، ويجعله قادرا على فرض التحدي عليهم ، أو على مواجهة تحدياتهم الكبيرة.
وهكذا جاء الإذن للمؤمنين بالقتال ، معلّلا بالحيثيّة الإنسانية التي تبرّره رساليا كونه شرطا لتحقيق التوازن الإنساني على مستوى حركة الواقع ، فهم يقاتلون كردّ فعل على قتال الآخرين لهم وظلمهم إياهم ، ويخوضون القتال المفروض عليهم للخروج من الظلم الذي مارسه المشركون بالضغط عليهم وخنق حريتهم. ولا بدّ لأيّة شريعة سماويّة أو أرضية من أن تمنح المظلومين حق الدفاع عن أنفسهم ، وتكفل لهم حرية ممارسة ذلك ، إذا أرادت للحياة أن تسير في خط العدل ، وأرادت للإنسان أن يؤكد معناه في حركة الواقع ، وهي إن لم تفعل ذلك ، تحوّلت الحياة إلى فرصة للظالمين يصادرون فيها حرية المظلومين ، وهو أمر تأباه قاعدة التشريع الإنسانية ، ولا تقتضيه العدالة الإلهية. وهكذا لم تكتف الآية بتقرير الإذن الإلهي بالقتال ، بل أضافت إليه الوعد بالنصر الحاسم وذلك في قوله تعالى : (وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) فلينطلقوا إلى القتال من موقع الشرعية والوعد الإلهي بالنصر ، وليعيشوا الثبات والقوّة القادرة ، بكل اندفاع واتزان.
(الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ) وهذا ما يضيف