قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير من وحي القرآن [ ج ١٦ ]

323/386
*

للأشياء غير المادية ، على أساس أن المادي في وجوده لا يستطيع أن يعيش وضوح الرؤية والإدراك الحقيقي للموجودات الغيبيّة المطلقة فيما وراء المادة ، (كَمِشْكاةٍ) تحصر النور وتجمعه ، فلا ينفذ إليه الهواء.

(فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ) الذي يمثل النموذج الأعلى للإنارة ، بحيث لا يفوقه مصباح آخر في ذلك (فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ) أي : موضوع في داخل قنديل من الزجاج الذي يبلغ المستوى الأعلى من الإنارة (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) ليست في مواقع الشروق لتصيبها الشمس عند شروقها فقط ، وليست في مواقع الغروب ليقتصر وصول الشمس إليها عند غروبها ، بل هي في موقع لا يظلّها فيه شجر والجبل ولا حائط ، فتصيبها الشمس عند الشروق والغروب في الصباح والمساء ، مما يجعل زيتها صافيا نقيّا (يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ) ويشرق من خلال صفائه (وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ) لأنه يضيء دون إحراق ، مما يجعل إشراقه مضاعفا عند الإحراق ..

(نُورٌ عَلى نُورٍ) في ما يتضاعف فيه النور من خلال المصباح ومن خلال الزجاج ومن خلال الزيت النقي الصافي .. وهكذا تكتمل صورة الإشراق الذي ينفذ إلى كل الأشياء المحيطة به والموجودة حوله ، فلا يغيب عنه شيء ، ولا يحجبه شيء ، وهذا هو المعنى الذي تريد الآية الإيحاء به ، وهو الموقع الذي ينطلق منه النور ليقتحم الظلام المحيط بالمكان ، فلا يبقى معه شيء من الظلمة.

وهذا هو نور الله الذي يريد للناس أن يكتشفوه ، ليكشف لهم كل غوامض الكون وظلمات الحياة وغياهب المشاكل ، في ما يتمثل به من وحيه المتحرك مع مفاهيم دينه ، ودقائق شريعته ، وتفاصيل منهجه ، فهو الذي يستطيع أن يمنحهم الهدى الذي لا ضلال معه ، والحق الذي لا باطل فيه ، والوضوح الذي لا غموض يعتوره .. وهو الذي يريد لهم أن يفتحوا عقولهم