الإشارة إلى ضرب الخمر على الجيوب ، في ما يأتي من الآية ، يوحي بأن الوجه لا يطلب فيه الستر لأنه لو كان كذلك لكان الأولى بالذكر ، باعتبار أن إظهاره من الأمور التي لا يقتصر فيها الأمر على جماعة معينة من الناس في الصدر الأول من الإسلام ، بينما كان كشف الصدور شاملا لكل العصور.
وقد نستطيع استيحاء جواز كشف الوجه والكفين مطلقا من خلال التأكيد على حرمة سترهما في حال الإحرام ، لأنه الحالة التي قد يتأكد فيها الستر إذا كان واجبا ، فالكشف لا يتناسب مع طبيعة الأجواء الطاهرة التي يراد للحاج أن يبتعد فيها عن مواقع الإغراء ، مما يجعلنا نستوحي أن هذا الأمر الجائز بطبعه في الوضع العام ، أصبح واجبا في حال الإحرام كي تعاني المرأة من حرارة الشمس في وجهها ، ما يعانيه الرجل من حرارتها في رأسه ، في ما ورد به الأثر : «إن إحرام المرأة في وجهها وإحرام الرجل في رأسه» (١).
* * *
ضرب الخمر على الجيوب
(وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَ) ، أي : يلقين بخمرهن ـ وهي أغطية الرأس ـ على جيوبهن ، والجيب ـ في ما قيل ـ : فتحة القميص ، والمراد بها الصدر من باب إطلاق اسم الحال على المحلّ. وعلى ضوء ذلك ، فإنّ واجب النساء ستر صدورهن ونحورهن بالغطاء الذي يستر رؤوسهن .. وقد ذكر أن جيوب النساء في الجاهلية كانت واسعة تبدو منها نحورهن وصدورهن وما حواليها ، وكنّ يسدلن الخمر من ورائهن فتبقى مكشوفة ، فأمرن أن يسدلنها من قدامهن حتى يغطينها (٢).
__________________
(١) الكافي ، ج : ٤ ، ص : ٣٤٥ ، رواية : ٧.
(٢) تفسير الكشاف ، ج : ٣ ، ص : ٦٢.