بأي قاعدة من قواعد اللغة يجوز أن يكون معنى (ما ظَهَرَ) : ما يظهره الإنسان بقصده ، فهذا واضح لا يكاد يخفى على أحد ، والظاهر من الآية أن القرآن ينهى عن إبداء الزينة ويرخّص فيما إذا ظهرت من غير قصد ، فالتوسع في هذه الرخصة إلى حدّ إظهارها عمدا مخالف للقرآن ومخالف للروايات ، التي يثبت بها أن النساء في عهد النبي ما كنّ يبرزن إلى الأجانب سافرات الوجوه ، وأن الأمر بالحجاب كان شاملا للوجه ، وكان النقاب قد جعل جزءا من لباس النساء إلا في الإحرام».
والظاهر أن هذا النوع من الاجتهاد في فهم القرآن في أحكامه التشريعية خاضع للواقع الذي يعيشه المفسّر في محيطه في طريقة الحجاب ، مما يجعل هذه الصورة قريبة إلى ذوقه ، وفهمه ، فيؤدي به ذلك إلى أن يفهم القرآن على هذا الأساس .. وربما كان ذلك هو المسؤول عن كثير من فتاوى الفقهاء في وجوب ستر الوجه والكفين. ونحن نريد أن نناقش هذا الفهم من خلال التركيز على عبارة : (إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها) التي استفاد منها هذا المفسر الظهور الطارئ العفوي الذي لا يكون عن اختيار شخصي للإنسان .. فقد نلاحظ أن هذا لا يؤدي إلى النتيجة التي أرادها ، لأن ظهور الشيء بنفسه قد يكون من خلال طبيعة الوضع الاجتماعي الذي درج عليه الناس في حياتهم ، بحيث يمارسونه بطريقة عفويّة ناشئة مما جرت العادة والجبلّة على ظهوره ، والأصل فيه الظهور ، كما يقول صاحب تفسير الكشاف(١).
ولم يثبت من الروايات الأمر بالنقاب بحيث يكون ساترا للوجه ، ولعلّ
__________________
(١) جاء في الكشاف : فإن قلت : لم سومح مطلقا في الزينة الظاهرة؟ قلت : لأن سترها فيه حرج ، فإن المرأة لا تجد بدّا من مزاولة الأشياء بيديها ، ومن الحاجة إلى كشف وجهها ، خصوصا في الشهادة والمحاكمة والنكاح ، وتضطر إلى المشي في الطرقات وظهور قدميها وخاصة الفقيرات منهن. (تفسير الكشاف ، ج : ٣ ، ص : ٦١).