فقال : احتجبا ، فقلنا : يا رسول الله ، أليس أعمى لا يبصرنا؟ قال : أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟ (١). وقد تذكر هنا بعض الأحاديث المؤيدّة مقابل الأحاديث المعارضة وذلك في قصة فاطمة بنت قيس ، التي رواها مسلم وأبو داود ، وفيها أنه لما طلّقها زوجها أمرها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أن تعتدّ في بيت أم شريك الأنصارية ، ثم قال : إن تلك المرأة يغشاها أصحابي ، اعتدّي في بيت أم مكتوم ، فإنه رجل أعمى ، تضعين ثيابك ..
وقد حاول البعض أن يجمع بين المسألتين ، بأن قال : ليست الشدة في نظر النساء إلى الرجال الأجانب مثل الشدة في نظر الرجال إلى النساء الأجنبيات ، فلا يحلّ لهن أن يقصدن النظر إليهم وجها لوجه في المجالس ، ولكن يحلّ لهن أن ينظرن إليهم وهم يمشون في الطرق ، أو يلعبون ألعابا غير محرّمة من البعيد ، بل لا حرج أن ينظرن إليهم في البيوت عند الحاجات الحقيقية.
ولكننا نلاحظ أن السياق واحد في الأمر المتوجه إلى المؤمنين ، وفي الأمر المتوجّه إلى المؤمنات ، مما يوحي بأن الحكم وارد في الموضوع من ناحية المبدأ بعيدا عن التفاصيل ، ليترك ذلك لنصوص أخرى ، أو من ناحية المعنى الداخلي الذي يختزنه النظر العميق في التحديق الذي يوحي بالإثارة ، فيكون الأمر واردا في اختصار النظر ليكون حالة طبيعية طارئة ، لا حالة مقصودة مثيرة ، أو من ناحية المورد الخاص وهو الفرج ، في ما تقدم من الاحتمال.
وقد نستطيع استيحاء هذا المعنى من السيرة المستمرة بين المسلمين في عدم احتجاب الرجال عن النساء ، وعدم نهي النساء اللاتي ينظرن إلى الرجال
__________________
(١) تفسير الكشاف ، ج : ٣ ، ص : ٦١.