التي تحكم على الشرع في خطوطه وحدوده ، بطريقة سلبية أو إيجابية ، تبعا للانسجام معها أو عدمه.
وإذا كان الإسلام يفرض على الزاني أو الزانية هذه العقوبة ، فإنه لا يريد للمسلمين الآخرين أن ينظروا إلى العقوبة نظرة عاطفية انفعاليّة ، تصوغها النوازع الذاتية التي تتفاعل مع آلامهما وما تثيره في المشاعر والوجدان ، لأن النتيجة الطبيعية لذلك أن تتحول المسألة إلى حالة احتجاج على الحكم الشرعي من ناحية علمية ، لتنتهي إلى حالة تفاعل مع الجريمة بالتخفيف من شأنها في حساب السلوك ، والإيحاء الداخلي بأنها لا ترقي إلى مستوى هذه العقوبة القاسية ، مما ينعكس سلبا على شعور الإنسان بالالتزام الديني داخليا ، الأمر الذي يقوده إلى الانحراف تدريجيا .. وهذا ما أراد الله تأكيده بقوله تعالى : (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) كي تكون عاطفة المسلم الإنسانية تابعة للخط الشرعي ، في ما يريد الله أن يؤكده من طبيعة الرحمة ، تماما كما هو خضوع الخط الفكري للشريعة ، فإذا كان الله قد أمر بجلدهما ، فلا بد من أن يكون للإنسان مصلحة عميقة في ذلك ، في الدائرة الفردية والاجتماعية ، مما يجعل من العقوبة عملية جراحية على مستوى النظام الأخلاقي للإنسان ..
وهذا ما يخط له منهج الإسلام التربوي بهدف صياغة الإنسان على صورة الإسلام في الفكر والعاطفة والموقف.
وقد ورد في بعض الروايات المأثورة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في ما نقله الرازي في تفسيره : «يؤتى بوال نقص من الحد سوطا ، فيقال له : لم فعلت ذاك؟ فيقول : رحمة لعبادك ، فيقال له : أنت أرحم بهم مني؟ فيؤمر به إلى النار ، ويؤتى بمن زاد سوطا ، فيقال له : لم فعلت ذلك؟ فيقول : لينتهوا عن معاصيك ، فيقول : أنت أحكم بهم مني؟ ، فيؤمر به إلى النار»(١).
__________________
(١) تفسير الرازي ، م : ١٢ ، ج : ٢٣ ، ص : ١٤٨ ـ ١٤٩.