وهذا هو الخط الذي يعيش فيه الإنسان المسلم العقيدة الثابتة بأن الله هو أرحم بعباده من كل أحد وأنه أحكم في تشريعه لهم من كل مخلوق ، لأنه الرحيم العليم الخبير بما يصلح عباده ، في ما يعاقبهم به ، أو في ما يثيبهم به .. وبذلك تكون العاطفة منطلقة من القاعدة الفكرية التي تغذي الشعور كما تغذي العقل ، وتؤكد الموقف.
وقد فهم البعض من الأخذ بالرأفة ، أن لا يترك الجاني بعد ثبوت الجريمة عليه ، ولا أن يخفف من حده ، بل يضرب تمام الحد ، وقال البعض الآخر : إن المراد به أن لا يكون الضرب خفيفا لا يحس الجاني أذاه. والظاهر أن المراد به أن لا يقف الناس موقف الرأفة بالمجرم بأي شكل من أشكالها ، سواء بالرثاء له والإشفاق عليه ، أو بالتخفيف من كمية الحد ، أو بالتخفيف من أذاه ، لأن الغاية المفروضة هي أن يأخذ كل عقوبته بشروطها الشرعية ، دون أيّ إحساس بالموقف السلبي تجاه ذلك.
(إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) لأن ذلك هو مظهر الإيمان بالله في مواقع المسؤولية في اليوم الآخر ، الذي يجعل الناس يلتزمون رضاه في ما يريد أن يرضوا به ، ويتعرّفوا مواقع سخطه في ما يريد لهم أن يسخطوا عليه.
(وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) وذلك بإعلانه بين الناس ، وإقامته بمحضر منهم ، ليتعرف الناس عليهما ، ويفقدا موقعهما الاجتماعي ، ليكون ذلك عبرة للآخرين ، ليرتدعوا عن التفكير بمثل جريمتهم ، ويكون ذلك درسا لهم في المستقبل ، مما يجعل للعقوبة دورا تربويا على المستوى الاجتماعي العام ، ودورا تأديبيا يطال الجاني نفسه.
وإذا كان الخطاب موجها إلى المؤمنين كافة ، فليس معنى ذلك أن لكل واحد القيام به ، بل معناه أنه مسئوليتهم بشكل عام ، ولكن تنفيذه يكون من صلاحيات وليّ أمور المسلمين الذي تستقيم له المعرفة ، ويستقيم له التنفيذ.