بين زجر الكافرين وفوز المؤمنين
(قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) ، إنه الزجر الإلهي الغاضب الذي يعبر عن اشتداد سخط الله عليهم ، فلا مجال لأي كلام بعد أن أقام عليهم الحجة ، وأعطاهم كل الفرص التي لا تترك مجالا لأيّ عذر ، (إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) هؤلاء الذين عاشوا الإيمان في عقولهم وفي قلوبهم ، وحوّلوه إلى خط عمليّ في حياتهم ، وانطلقوا في ممارساتهم العامة والخاصة ، في حذر الإنسان المؤمن الخائف ، الذي يعبد الله ويطيعه ، وهو يخشى أن لا يتقبل الله منه ، أو أن يقصر في أداء واجبه نحوه ، فلذلك يدعو الله بالغفران والرحمة لنفسه ، ليستثير رحمة الله التي وسعت كل شيء ، في ما يكون قد أخطأ فيه ، وفي ما يخاف فيه ذلك. (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا) بما كنتم تخوضون فيه من أحاديث لاهية لا تتحرك من موقع الجديدة والمسؤولية ، مما جعلكم تجدون في إيمانهم ، وفي كلماتهم الخاشعة المبتهلة لله ، وفي حركتهم الواعية المسؤولة ، وفي وقفاتهم التقية عند حدود الله ، وفي إقامتهم العلاقات الإنسانية على أساس رساليّ يريد للرسالة أن تتجسد في حركة الواقع ، وفي غير ذلك ، مادّة للسخرية رساليّ يريد للرسالة أن تتجسد في حركة الواقع ، وفي غير ذلك ، مادّة للسخرية والاستهزاء بأساليبكم التي تجعل من الجدّ هزلا ، ومن الحقيقة مهزلة ، لتفقدوا هؤلاء احترامهم في نظر الناس. وما زلتم في أجواء اللهو والعبث بالإيمان والمسؤولية والبعد عن التفكير بالله وبالآخرة وبالمصير (حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي) في ما كانوا يتحركون فيه من طاعات تتخذون منها مادّة للسخرية (وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ) دون أي سبب ، إلا الجهل والضلال.
(إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا) على كل التحديات في كل المواقع ، وعلى كل النوازع الذاتية والضغوط الاجتماعية ، وها أنتم ترونهم أمامكم ، أيها