آفة ، وإن لكل نعمة عاهة. في هذا الدين عيابون ، ظنانون ، يظهرون لكم ما تحبون ، ويسرون ما تكرهون. يقولون لكم ، وتقولون ، طغام مثل النعام ، يتبعون أول ناعق أحب مواردهم إليهم النازح. لقد أقررتم لابن الخطاب بأكثر مما نقمتم عليّ ، ولكنه وقمكم وقمعكم وزجركم زجر النعام المخزمة. والله إني لأقرب ناصرا ، وأعز نفرا ، وأقمن إن قلتم هلم أن تجاب دعوتي من عمر. هل تفقدون من حقوقكم شيئا ؛ فما بالى لا أفعل في الحق ما أشاء. إذا فلم كنت إماما»!
كتابه إلى علي حين حضر رضي الله عنهما : «أما بعد : فقد بلغ السيل الزبى ، وجاوز الحزام الطبين ، وطمع فيّ من لا يدفع عن نفسه. فإذا أتاك كتابي هذا ، فأقبل إليّ ؛ عليّ كنت أم لي.
فإن كنت مأكولا فكن خير آكل |
|
وإلا فأدركني ولما أمزّق» |
ومن كلام علي رضي الله عنه ؛ قال : لما قبض أبو بكر رضي الله عنه ، ارتجت المدينة بالبكاء كيوم قبض النبي صلىاللهعليهوسلم. «وجاء علي باكيا مسترجعا وهو يقول : اليوم انقطعت خلافة النبوة. حتى وقف على باب البيت الذي فيه أبو بكر فقال : رحمك الله أبا بكر كنت إلف رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأنسه ، وثقته ، وموضع سره ، كنت أول القوم إسلاما وأخلصهم إيمانا وأشهدهم يقينا وأخوفهم لله وأعظمهم غناء في دين الله ، وأحوطهم على رسوله. وآمنهم على الإسلام ، وآمنهم على أصحابه ، أحسنهم صحبة ، وأكثرهم مناقب ، وأفضلهم سوابق وأرفعهم درجة ، وأقربهم وسيلة ، وأقربهم برسول الله صلىاللهعليهوسلم سننا وهديا ورحمة وفضلا. وأشرفهم منزلة ، وأكرمهم عليه وأوثقهم عنده. جزاك الله عن الإسلام وعن رسول خيرا.
كنت عنده بمنزلة السمع والبصر. صدقت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، حين كذبه الناس ، فسمّاك الله في تنزيله صديقا. فقال : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ) (١) واسيته حين بخلوا ، وقمت معه عند المكاره حين عنه قعدوا ، وصحبته في الشدة أكرم الصّحبة ، ثاني اثنين ، وصاحبه في الغار ، والمنزل عليه السّكينة والوقار. ورفيقه في الهجرة ، وخليفته في دين الله وفي أمته أحسن الخلافة حين ارتدّ الناس فنهضت حين وهن أصحابك ، وبرزت حين استكانوا ، وقويت حين ضعفوا وقمت بالأمر حين فشلوا ، ونطقت حين تتعتعوا. ومضيت بنوره إذ وقفوا ، واتبعوك فهدوا وكنت أصوبهم منطقا ، وأطولهم صمتا ، وأبلغهم قولا ، وأكثرهم رأيا وأشجعهم نفسا ، وأعرفهم بالأمور وأشرفهم عملا.
كنت للدين يعسوبا أولا ، حين نفر عنه الناس ، وآخرا حين أقبلوا ، وكنت للمؤمنين أبا
__________________
(١) آية (٣٢) سورة الزمر.