فصل :
في جملة وجوه إعجاز القرآن
ذكر أصحابنا وغيرهم في ذلك ثلاثة أوجه من الإعجاز :
الوجه الأول : يتضمن الإخبار عن الغيوب ، وذلك مما لا يقدر عليه البشر. لا سبيل لهم إليه : فمن ذلك ما وعد الله تعالى نبيه عليهالسلام أنه سيظهر دينه على الأديان بقوله عزوجل : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (١) ففعل ذلك وكان أبو بكر (٢) الصديق رضي الله عنه إذا أغزى جيوشه ، عرّفهم ما وعدهم الله من إظهار دينه ، ليثقوا بالنصر ، ويستيقنوا بالنجاح. وكان عمر (٣) بن الخطاب رضي الله عنه يفعل كذلك في أيامه ، حتى وقف أصحاب جيوشه عليه ، فكان سعد بن أبي وقاص رحمهالله ، وغيره من أمراء الجيوش من جهته يذكر ذلك لأصحابه ، ويحرضهم به ، ويوثق لهم. وكانوا يلقون الظفر في مواجهاتهم ، حتى فتح إلى آخر أيام عمر رضي الله عنه إلى بلخ ، وبلاد الهند وفتح في أيامه مرو الشاهجان ومرو الروذ ومنعهم من العبور بجيحون. وكذلك فتح في أيامه فارس إلى اصطخر وكرمان ، ومكران وسجستان وجميع ما كان من مملكة كسرى ، وكل ما كان يملكه ملوك الفرس بين البحرين من الفرات إلى جيحون.
__________________
(١) آية (٣٣) سورة التوبة.
(٢) أبو بكر الصديق هو : عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو القرشي التيمي. كان أول من أسلم من الرجال ، ولم يتردد حين عرض عليه الإسلام ، وثبت له أفضل الفضائل بصحبة الهجرة ، وكانت بيعته إجماعا من الصحابة. مات سنة (١٣). له ترجمة في : أسد الغابة ٣ / ٣٠٩ ، وشذرات الذهب ١ / ٢٧ ، ومروج الذهب ٢ / ٣٠٥.
(٣) سبقت ترجمته.