انحطاط رتبته ، ووقوع أبواب الخلل فيه حتى إذا تأمل ذلك وتأمل ما نذكره من تفصيل إعجاز القرآن وفصاحته وعجيب براعته ، انكشف له واتضح ، وثبت ما وصفناه لديه ووضح. وليعرف حدود البلاغة ، وموقع البيان والبراعة ، ووجه التقدم في الفصاحة
وذكر الجاحظ في كتاب البيان والتبيين أن الفارسي سئل فقيل له : ما البلاغة؟ فقال : معرفة الفصل من الوصل.
وسئل اليوناني عنها فقال : تصحيح الأقسام واختيار الكلام.
وسئل الرومي عنها فقال : حسن الاقتضاب عند البداهة والغزارة يوم الإطالة.
وسئل الهندي عنها فقال : وضوح الدلالة وانتهاز الفرصة وحسن الإشارة ، وقال مرة : التماس حسن الموقع والمعرفة بساحات القول ، وقلة الخرق بما التبس من المعاني ، أو غمض وشرد من اللفظ وتعذر. وزينته أن تكون الشمائل موزونة ، والألفاظ معدلة ، واللهجة نقية ، وأن لا يكلم سيد الأمة بكلام الأمة ، ويكون في قواه فضل التصرف في كل طبقة ، ولا يدقق المعاني كل التدقيق ، ولا ينقح الألفاظ كل التنقيح ، ويصفيها كل التصفية ، ويهذبها بغاية التهذيب.
وأما «البراعة» ففيما يذكر أهل اللغة ، الحذق بطريقة الكلام وتجويده. وقد يوصف بذلك كل متقدم في قول أو صناعة.
وأما «الفصاحة» فقد اختلفوا فيها منهم من عبر عن معناها بأنه ما كان جزل اللفظ حسن المعنى ، وقد قيل معناها الاقتدار على الإبانة عن المعاني الكامنة في النفوس ، على عبارات جلية ، ومعان نقية بهية.
والذي يصور عندك ما ضمنا تصويره ، ويحصل عندك معرفته إذ كنت في صنعة الأدب متوسطا ، وفي علم العربية متبينا ، أن تنظر أولا في نظم القرآن ، ثم في شيء من كلام النبي صلىاللهعليهوسلم فتعرف الفصل بين النظمين ، والفرق بين الكلامين ، فإن تبين لك الفصل ووقفت على جلية الأمور وحقيقة الفرق ، فقد أدركت الغرض ، وصادفت المقصد.
وإن لم تفهم الفرق ولم تقع على الفصل ، فلا بد لك من التقليد ، وعلمت أنك من جملة العامة ، وأن سبيلك سبيل من هو خارج عن أهل اللسان.
خطبة للنبي صلىاللهعليهوسلم : روى طلحة بن عبيد الله ، قال سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يخطب على منبره يقول : «ألا أيها الناس توبوا إلى ربكم قبل أن تموتوا ، وبادروا الأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا ، وصلوا الذي بينكم وبين ربكم بكثرة ذكركم له ، وكثرة الصدقة في السّر والعلانية ترزقوا وتؤجروا وتنصروا. واعلموا أن الله عزوجل قد افترض عليكم الجمعة في