وفيما كتب إلى الحسن بن عبد الله قال : أخبرني محمد بن يحيى ، حدثني محمد بن علي الأنباري قال : سمعت البحتري يقول : أنشدني أبو تمام لنفسه :
وسابح هطل التّعداء هتّان |
|
على الجراء أمين غير خوّان |
أظمئ الفصوص ولم تظمأ قوائمه |
|
فجل عينك في ريان ظمئان |
ولو تراه مشيحا والحصى قلق |
|
بين السنابك من مثنى ووحدان |
أيقنت إن لم تثبت أن حافره |
|
من صخر تدمر أو من وجه عثمان |
وقال لي : ما هذا من الشعر؟ قلت : لا أدري. قال : هذا المستطرد ، أو قال : الاستطراد قلت : وما معنى ذلك ، قال : يرى أنه يصف الفرس ، ويريد هجاء عثمان ، فقال :
وقال البحتري :
ما إن يعاف قذى ولو أوردته |
|
يوما خلائق حمدويه الأحول |
قال : فقيل للبحتري : إنك أخذت هذا من أبي تمام ، فقال : ما يعاب عليّ أن آخذ منه واتبعه فيما يقول.
ومن هذا الباب قول أبي تمام :
صبّ الفراق علينا صبّ من كثب |
|
عليه إسحاق يوم الرّوع منتقما |
ومنه قول السري الرفاء :
نزع الوشاة لنا بسهم قطيعة |
|
يرمى بسهم الحين من يرمي به |
ليت الزمان أصاب حب قلوبهم |
|
بقنا ابن عبد الله أو بحرابه |
ونظيره من القرآن : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ. وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) (١) كأنه كان المراد أن يجري بالقول الأول إلى الإخبار عن أن كل شيء يسجد لله عزوجل ، وإن كان ابتداء الكلام في أمر خاص. ومن البديع عندهم التكرار كقول الشاعر :
هلّا سألت جموع كن |
|
دة يوم ولّوا أين أينا |
وكقول الآخر :
وكانت فزارة تصلي بنا |
|
فأولى فزارة أولى لها |
ونظيره من القرآن كثير كقوله : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ
__________________
(١) آية (٤٨ ، ٤٩) سورة النحل.