ومن ذلك قول الآخر :
وهم تركوكم أسلح من حبارى |
|
رأت صقرا وأشرد من نعام |
فقوله : رأت صقرا مبالغة ، ومن الغلو قول أبي نواس :
توهّمتها في كأسها فكأنما |
|
توهمت شيئا ليس يدركه العقل |
فما يرتقي التكييف فيها إلى مدى |
|
يحدّ به إلا ومن قبله قبل |
وقول زهير :
لو كان يقعد فوق الشمس من كرم |
|
قوم بأوّلهم أو مجدهم قعدوا |
وكقول النابغة :
بلغنا السماء مجدنا وسناؤنا |
|
وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا |
وكقول الخنساء (١) :
وما بلغت كفّ امرئ متناول |
|
بها المجد إلا حيثما نلت أطول |
وما بلغ المهدون في القول مدحة |
|
وإن أطنبوا إلا الذي فيك أفضل |
وقول الآخر :
له همم لا منتهى لكبارها |
|
وهمته الصغرى أجلّ من الدّهر |
له راحة لو أن معشار جودها |
|
على البرّ صار البرّ أندى من البحر |
ويرون من البديع «الإيغال» في الشعر خاصة ، فلا يطلب مثله في القرآن إلا في الفواصل. كقول امرئ القيس (٢) :
كأن عيون الوحش حول خبائنا |
|
وأرحلنا الجزع الذي لم يثقّب |
وقد أوغل بالقافية في الوصف فأكد التشبيه بها. والمعنى قد يستقبل دونها.
ومن البديع عندهم «التوشيح» وهو أن يشيد أول البيت بقافيته ، وأول الكلام بآخره ، كقول البحتري (٣) :
فليس الذي حلّلته بمحلل |
|
وليس الذي حرّمته بحرام |
ومثله في القرآن : (فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ) (٤) ومن ذلك
__________________
(١) الخنساء هي : تماضر بنت عمرو بن الشريد ، وقد أجمع رواة الشعر على أنه لم تقم امرأة في العرب قبلها ولا بعدها أشعر منها. ماتت سنة (٦٤٦ م). لها ترجمة في : خزانة الأدب ١ / ٢٠٨ ، والشعر والشعراء (١٩٧).
(٢) سبقت ترجمته.
(٣) سبقت ترجمته.
(٤) آية (٣٩) سورة المائدة.