وهذه كلها استعارات أتى بها في ذكر طول الليل ، ومن ذلك قول النابغة (١) :
وصدر أراح الليل عازب همه |
|
تضاعف فيه الحزن من كل جانب |
فاستعاره من إراحة الراعي إبله إلى مواضعها التي تأوى إليها بالليل وأخذ منه ابن الدمينة فقال :
أقضي نهاري بالحديث وبالمنى |
|
ويجمعني والهم والليل جامع |
ومن ذلك قول زهير (٢) :
صحا القلب عن ليلي وأقصر باطله |
|
وعرى أفراس الصبا ورواحله |
ومن ذلك قول امرئ القيس :
سموت إليها بعد ما نام أهلها |
|
سمو حباب الماء حالا على حال |
وأخذه أبو تمام فقال : «سمو عباب الماء جاشت غواربه» ، وإنما أراد امرؤ القيس إخفاء شخصه ، ومن ذلك قوله : «كأني وأصحابي على قرن أعفرا» يريد أنهم غير مطمئنين.
ومن ذلك ما كتب إلى الحسن بن عبد الله بن سعيد قال : أخبرني أبي ، قال أخبرنا عسل بن ذكوان ، أخبرنا أبو عثمان المازني ، قال سمعت الأصمعي يقول : أجمع أصحابنا أنه لم يقل أحسن ولا أجمع من قول النابغة :
فإنك كالليل الذي هو مدركي |
|
وإن خلت أن المنتأى عنك واسع |
قال الحسن بن عبد الله : وأخبرنا محمد بن يحيى ، أخبرنا عون بن محمد الكندري ، أخبرنا قعنب بن محرز قال : سمعت الأصمعي يقول : سمعت أبا عمرو يقول : كان زهير يمدح السوق ، ولو ضرب على أسفل قدميه مائتا دقل ، على أن يقول كقول النابغة :
فإنك كالليل الذي هو مدركي |
|
وإن خلت أن المنتأى عنك واسع |
لما قال يريد أنه سلطانه كالليل يصل إلى كل مكان ، واتبعه الفرزدق (٣) فقال :
لو حملتني الريح ثم طلبتني |
|
لكنت كشيء أدركتني مقادره |
__________________
(١) النابغة هو : زياد بن معاوية الذبياني ، أحد الثلاثة المقدمين على سائر الشعراء ، كان يفد هو وحسان بن ثابت على صاحب الحيرة فيمدحانه ، لكن النابغة كان مقدما على الجميع. مات سنة (٦٠٤ م). له ترجمة في : تاريخ ابن عساكر ٥ / ٤٢٤ ، والأغاني ٩ / ١٦٢.
(٢) زهير بن أبي سلمى ، أحد الثلاثة المقدمين على سائر الشعراء. مات سنة (٦١٥ م). له ترجمة في الأغاني ٩ / ٤٨ و ١٤٦ ، وخزانة الأدب ١ / ٣٧٥ ، والشعر والشعراء (٥٧).
(٣) الفرزدق هو : همام بن غالب بن صعصعة. ولد بالبصرة ، وأقام في باديتها مع أبيه ، وظهرت فيه ملكة الشعر وهو غلام ، ولم يكن من مداح بني أمية لأنه كان يتشيع لعلي. مات سنة (١١٠). له ترجمة في : خزانة الأدب ١ / ١٠٥ ، ووفيات الأعيان ٢ / ١٩٦.