وقوله :
كأن قلوب الطير رطبا ويابسا |
|
لدى وكرها العناب والحشف البالي |
واستبدعوا تشبيهه شيئين بشيئين على حسن تقسيم ، ويزعمون أن أحسن ما وجد في هذا للمحدثين قول بشار (١) :
كأن مثار النقع فوق رءوسنا |
|
وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه |
وقد سبق امرؤ القيس إلى صحة التقسيم في التشبيه ، ولم يتمكن بشار إلا من تشبيه إحدى الجملتين بالأخرى دون صحة التقسيم والتفصيل. وكذلك عدّوا من البديع قول امرئ القيس في أذني الفرس :
وسامعتان يعرف العنق فيهما |
|
كسامعتي مذعورة وسط ديرب |
واتبعه طرفة (٢) فقال فيه :
وسامعتان يعرف العنق فيهما |
|
كسامعتي شاة بحومل مفرد |
ومثله قول امرئ القيس في وصف الفرس :
وعينان كالماويتين ومحجر |
|
إلى سند مثل الصفيح المنصب |
وقال طرفة في وصف عيني ناقته :
وعينان كالماويتين استكنتا |
|
بكهفي حجابي صخرة قلت مورد |
ومن البديع في التشبيه قول امرئ القيس :
له أيطلا ظبى وساقا نعامة |
|
وإرخاء سرحان وتقريب تتفل |
وذلك في تشبيه أربعة أشياء بأربعة أشياء أحسن فيها. ومن التشبيه الحسن في القرآن قوله تعالى : (وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ) (٣) وقوله تعالى : (كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ) (٤) ومواضع نذكرها بعد هذا. ومن البديع في الاستعارة قول امرئ القيس :
وليل كموج البحر أرخى سدوله |
|
عليّ بأنواع الهموم ليبتلي |
فقلت له لما تمطى بصلبه |
|
وأردف إعجازا وناء بكلكل |
__________________
(١) بشار هو : ابن برد الفارسي ، نشأ في البصرة ، ثم قدم بغداد بعد أن بناها المنصور ، وولد أعمى ، وكان ضخما طويلا عظيم الخلق والوجه مجدرا. وكان أطبع الشعراء على الشعر. مات سنة (١١٧) له ترجمة في : وفيات الأعيان ١ / ٨٨ ، والفهرست (١٥٩) ، وتاريخ بغداد ٧ / ١١٢.
(٢) طرفة هو : ابن العبد أبو عمرو. نبغ في الشعر منذ حداثته ، حتى صار يعد من الطبقة الأولى ، وتوفي صغير السن سنة (٥٠٠). له ترجمة في : خزانة الأدب ١ / ٤١٤.
(٣) آية (٢٤) سورة الرحمن.
(٤) آية (٤٩) سورة الصافات.