وقال أبو تمام (١) :
لها منظر قيد الأوابد لم يزل |
|
يروح ويغدو في خفارته الحب |
وقال آخر :
ألحاظه قيد عيون الورى |
|
فليس طرف يتعداه |
وقال آخر : «قيد الحسن عليه الحدقا».
وذكر الأصمعي (٢) وأبو عبيدة (٣) وحماد وقبلهم أبو عمرو أنه أحسن في هذه اللفظة ، وأنه أتبع فيها فلم يلحق ، وذكروه في باب الاستعارة البليغة ، وسماها بعض أهل الصنعة باسم آخر ، وجعلوها من باب الإرداف ، وهو أن يريد الشاعر دلالة على معنى فلا يأتي باللفظ الدال على ذلك المعنى ، بل بلفظ هو تابع له وردف ، قالوا ومثله قوله : «نئوم الضحى لم تنتطق عن تفضل» وإنما أراد وترفهها بقوله : «نئوم الضحى» ومن هذا الباب قول الشاعر :
بعيدة مهوى القرط إما لنوفل |
|
أبوها وإما عبد شمس وهاشم |
وإنما أراد أن يصف طول جيدها فأتى بردفه ، ومن ذلك قول امرئ القيس (٤) : «وليل كموج البحر أرخى سدوله» ، وذلك من الاستعارة المليحة ، ويجعلون من هذا القبيل ما قدمنا ذكره من القرآن (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) (٥) (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) (٦) ومما يعدونه من البديع التشبيه الحسن كقول امرئ القيس :
كأن عيون الوحش حول خبائنا |
|
وأرحلنا الجزع الذي لم يثقب |
__________________
(١) أبو تمام هو : حبيب بن أوس الطائي ، ولد في منبج في بلاد الشام ، وجاء مصر صغيرا ، وكان يسقي الماء في الجامع بالفسطاط ، ثم جالس الأدباء ، وأخذ عنهم وتعلم. مات سنة (٢٣٢). له ترجمة في : تاريخ بغداد ٨ / ٢٤٨ ، ومروج الذهب ٧ / ١٤٧ ، ووفيات الأعيان ١ / ١٢١.
(٢) الأصمعي هو : عبد الملك بن قريب من قيس ، وقد اشتهر بكنيته «الأصمعي» ، وكان أتقن القوم وأعلمهم بالشعر ، وأحضرهم حفظا. مات سنة (٢١٤). له ترجمة في : وفيات الأعيان ١ / ٢٨٨ ، والفهرست (٥٥) ، وتاريخ بغداد ١٠ / ٤١٠.
(٣) أبو عبيدة هو : معمر بن المثني التيمي ، كان أجمع سائر الرواة لعلوم العرب وأخبارهم وأنسابهم.
مات سنة (٢٠٩). له ترجمة في : وفيات الأعيان ٢ / ١٠٥ ، والفهرست (٥٣) ، وتاريخ بغداد ١٣ / ٢٥٢.
(٤) سبقت ترجمته.
(٥) آية (٤) سورة مريم.
(٦) آية (٢٤) سورة الإسراء.