والنبي صلىاللهعليهوسلم ، يقرأ سورة : (وَالطُّورِ وَكِتابٍ مَسْطُورٍ) (١) في صلاة الفجر ، قال : فلما انتهى إلى قوله : (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ ما لَهُ مِنْ دافِعٍ) (٢) قال : خشيت أن يدركني العذاب فأسلم. وفي حديث آخر أن عمر (٣) بن الخطاب رضي الله عنه سمع سورة طه فأسلم.
وقد روي أن قوله عزوجل في أول حم «السجدة» إلى قوله : (فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) (٤) نزلت في شيبة وعتبة ابني ربيعة وأبي سفيان بن حرب وأبي جهل. وذكر أنهم بعثوا هم وغيرهم من وجوه قريش بعتبة بن ربيعة إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ليكلمه ، وكان حسن الحديث ، عجيب الشأن ، بليغ الكلام ، وأرادوا أن يأتيهم بما عنده ، فقرأ النبي صلىاللهعليهوسلم سورة حم السجدة من أولها حتى انتهى إلى قوله : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) (٥) فوثب مخافة العذاب ، فاستحكوه ما سمع ، فذكر أنه لم يسمع منه كلمة واحدة ، ولا اهتدى لجوابه ، ولو كان ذلك من جنس كلامهم لم يخف عليه وجه الاحتجاج والرد. فقال عثمان (٦) بن مظعون لتعلموا أنه من عند الله إذ لم يهتد لجوابه.
وأبين من ذلك قول الله عزوجل : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) (٧) فجعل سماعه حجة عليه بنفسه ، فدل على أن فيهم من يكون سماعه إياه حجة عليه.
فإن قيل : لو كان ما قلتم لوجب أن يكون حال الفصحاء الذين كانوا في عصر النبي صلىاللهعليهوسلم على طريقة واحدة في إسلامهم عند سماعه ، قيل : لا يجب ذلك ، لأن صوارفهم كانت كثيرة ، منها أنهم كانوا يشكّون ، منهم من يشك في إثبات الصانع ، وفيهم من يشك في التوحيد ، وفيهم من يشك في النبوة ، ألا ترى أن أبا سفيان (٨) بن حرب لما جاء إلى رسول
__________________
ـ المستطابة ص (٤٨).
(١) آية (١) سورة الطور.
(٢) آية (٨) سورة الطور.
(٣) سبقت ترجمته.
(٤) آية (٤) سورة فصلت.
(٥) آية (١٣) سورة فصلت.
(٦) عثمان بن مظعون. قال ابن إسحاق : أسلم بعد ثلاثة عشر رجلا ، وهاجر إلى الحبشة. له ترجمة في : الإصابة ٢ / ٤٦٤.
(٧) آية (٦) سورة التوبة.
(٨) أبو سفيان بن حرب بن أمية القرشي الأموي المكي. ولد قبل الفيل بعشر سنين ، وكان شيخ مكة ، ورئيس قريش. مات بالمدينة سنة (٣١) أو (٣٢). له ترجمة في : الرياض المستطابة ص (١٢٨ ـ ١٢٩).