الله صلىاللهعليهوسلم ليسلم عام الفتح ، قال له النبي عليهالسلام : أما آن لك أن تشهد أن لا إله إلا الله؟ قال : بلى ، فشهد. قال : أما آن لك أن تشهد أني رسول الله؟ قال : أما هذه ففي النفس منها شيء. فكانت وجوه شكوكهم مختلفة. وطرق شبههم متباينة ، فمنهم من قلت شبهه ، وتأمل الحجة حق تأملها ولم يستكبر فأسلم. ومنهم من كبرت شبهه ، وأعرض عن تأمل الحجة حق تأملها ، أو لم يكن في البلاغة على حدود النهاية ، فتطاول عليه الزمان إلى أن نظر واستبصر ، وراعى واعتبر ، واحتاج إلى أن يتأمل عجز غيره عن الإتيان بمثله ، فلذلك وقف أمره.
ولو كانوا في الفصاحة على مرتبة واحدة ، وكانت صوارفهم وأسبابهم متفقة ، لتوافقوا إلى القبول جملة واحدة. فإن قيل : فكيف يعرف البليغ الذي وصفتموه : إعجاز القرآن؟ وما الوجه الذي يتطرق به إليه؟ والمنهاج الذي يسلكه حتى يقف به على جلية الأمر فيه؟ قيل : هذا سبيله أن يفرد له فصل ، فإن قيل : فلم زعمتم أن البلغاء عاجزون عن الإتيان بمثله مع قدرتهم على صنوف البلاغات وتصرفهم في أجناس الفصاحات؟ وهلا قلتم : إن من قدر على جميع هذه الوجوه البديعة ، وتوجه من هذه الطرق الغريبة ، كان على مثل نظم القرآن قادرا ، وإنما يصرفه الله عنه ضربا من الصرف ، أو يمنعه من الإتيان بمثله ، ضربا من المنع ، أو تقصر دواعيه دونه مع قدرته عليه ليتكامل ما أراده الله من الدلالة ، ويحصل ما قصده من إيجاب الحجة. لأن من قدر على نظم كلمتين بديعتين لم يعجز عن نظم مثلها. وإذا قدر على ذلك قدر على ضم الثانية إلى الأولى ، وكذلك الثالثة حتى يتكامل قدر الآية والسورة. فالجواب أنه لو صح ذلك ، صح لكل من أمكنه نظم ربع بيت ، أو مصراع من بيت ، أن ينظم القصائد ويقول الأشعار. وصح لكل ناطق قد يتفق في كلامه الكلمة البديعة ، نظم الخطب البليغة ، والرسائل العجيبة ، ومعلوم أن ذلك غير سائغ ، ولا ممكن.
على أن ذلك لو لم يكن معجزا على ما وصفناه من جهة نظمه الممتنع ، لكان مهما حط من رتبة البلاغة فيه ، ووضع من مقدار الفصاحة في نظمه كان أبلغ في الأعجوبة ، إذا صرفوا عن الإتيان بمثله ، ومنعوا عن معارضته وعدلت دواعيهم عنه. فكان يستغني عن إنزاله على النظم البديع ، وإخراجه في المعرض الفصيح العجيب ، على أنه لو كانوا صرفوا على ما ادعاه لم يكن من قبلهم من أهل الجاهلية مصروفين عما كان يعدل به في الفصاحة والبلاغة وحسن النظم وعجيب الرصف ، لأنهم لم يتحدوا إليه ولم يلزمهم حجته. فلما لم يوجد في كلام من قبله مثله علم أن ما ادعاه القائل بالصرفة ظاهر البطلان.
وفيه معنى آخر ، وهو : أن أهل الصنعة في هذا الشأن إذا سمعوا كلاما مطمعا لم يخف عليهم ، ولم يشتبه لديهم. ومن كان متناهيا في فصاحته ، لم يجز أن يطمع في مثل هذا القرآن بحال. فإن قال صاحب السؤال إنه قد يطمع في ذلك. قيل له : أنت تزيد على هذا ،