وكان وصف فيها الطلل ، قال براكويه : فقال لي هلال : فقلت بديها :
إذا سمعت فتى يبكي على طلل |
|
من أهل زنجان فاعلم أنه طلل |
وإنما ذكرت لك هذه الأمور ، لتعلم أن الشيء في معدنه أعز ، وفي مظانه أحسن ، وإلى أصله أنزع ، وبأسبابه أليق. وهو يدل على ما صدر منه ، وينبه ما أنتج عنه ، ويكون قراره على موجب صورته وأنواره على حسب محله. ولكل شيء حد ومذهب. ولكل كلام سبيل ومنهج.
وقد ذكر أبو بكر (١) الصديق رضي الله عنه في كلام مسيلمة ما أخبرتك به ، فقال : (إن هذا كلام لم يخرج من إله) فدل على أن الكلام الصادر عن عزة الربوبية ورفعة الإلهية يتميز عما لم يكن كذلك.
ثم رجع الكلام بنا إلى ما ابتدأنا به من عظيم شأن البيان. ولو لم يكن فيه إلا ما منّ به الله على خلقه بقوله : (خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ) (٢) فأما بيان القرآن فهو أشرف بيان ، وأهداه وأكمله .. وأعلاه وأبلغه وأسناه.
تأمل قوله تعالى : (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ) (٣) في شدة التنبيه على تركهم الحق ، والإعراض عنه. وموضع امتنانه بالذكر والتحذير.
وقوله : (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) (٤) وهذا بليغ في التحسير وقوله : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) (٥) وهذا يدل على كونهم مجبولين على الشر ، معوّدين لمخالفة النهي والأمر ، وقوله : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) (٦) هو في نهاية الوضع من الخلة الأعلى التقوى.
وقوله : (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) (٧) وهذا نهاية في التحذير من التفريط.
وقوله : (أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما
__________________
(١) سبقت ترجمته.
(٢) آية (٣ ، ٤) سورة الرحمن.
(٣) آية (٥) سورة الزخرف.
(٤) آية (٣٩) سورة الزخرف.
(٥) آية (٢٨) سورة الأنعام.
(٦) آية (٦٧) سورة الزخرف.
(٧) آية (٥٦) سورة الزمر.