اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً) (١) والتفسير كقوله : (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً) (٢) إلى آخر الآيات في هذا المعنى.
وكنحو قوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ. يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها ، وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ) (٣) هذا مما يصور الشيء على جهته ويمثل أهوال ذلك اليوم ، ومما يصور لك الكلام الواقع في الصفة كقوله حكاية عن السحرة ، لما توعدهم فرعون بما توعدهم به حين آمنوا قالوا : (إِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ. إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) (٤).
وقال في موضع آخر : (إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ. وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا ، رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ) (٥) وهذا ينبئ عن كلام الحزين لما ناله ، الجازع لما مسه.
ومن باب التسخير والتكوين قوله تعالى : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٦) وقوله : (فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) (٧) وكقوله : (فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) (٨) وتقصي أقسام ذلك مما يطول ، ولم أقصد استيفاء ذلك ، وإنما ضربت لك المثل بما ذكرت لتستدل ، وأشرت إليك بما أشرت لتتأمل.
وإنما اقتصرنا على ذكر قصيدة البحتري لأن الكتاب يفضلونه على أهل دهره ، ويقدمونه على من في عصره. ومنهم من يدّعى له الإعجاز غلوا ، ويزعم أنه يناجي النجم في قوله علوا. والملحدة تستظهر بشعره ، وتتكثر بقوله ، وتدّعى كلامه من شبهاتهم ، وعباراته مضافا إلى ما عندهم من ترهاتهم. فبيّنا قدر درجته ، وموضع رتبته ، وحد كلامه.
__________________
(١) آية (١٨) سورة الكهف.
(٢) آية (٤٧) سورة الكهف.
(٣) آية (١ ، ٢) سورة الحج.
(٤) آية (٥١ ، ٥٢) سورة الشعراء.
(٥) آية (١٢٥ ، ١٢٦) سورة الأعراف.
(٦) آية (٨٢) سورة يس.
(٧) آية (٦٥) سورة البقرة.
(٨) آية (٦٣) سورة الشعراء.