وهيهات أن يكون المطموع فيه كالميئوس منه. وأن يكون الليل كالنهار ، والباطل كالحق ، وكلام رب العالمين ككلام البشر.
فإن قال قائل : فقد قدح الملحد في نظم القرآن ، وادّعى عليه الخلل في البيان ، وأضاف إليه الخطأ في المعنى واللفظ ، وقال ما قال فهل من فصل؟
قيل : الكلام على مطاعن الملحدة في القرآن ، مما قد سبقنا إليه ، وصنّف أهل الأدب في بعضه فكفوا. وأتى المتكلمون على ما وقع إليهم فشفوا ، ولو لا ذلك لاستقصينا القول فيه في كتابنا.
وأما الغرض الذي صنفنا فيه في التفصيل والكشف عن إعجاز القرآن ، فلم نجده على التقريب الذي قصدنا ، وقد رجونا أن يكون ذلك مغنيا ووافيا ، وإن سهّل الله لنا ما نويناه من إملاء معاني القرآن ، ذكرنا في ذلك ما يشتبه من الجنس الذي ذكروه ، لأن أكثر ما يقع من الطعن عليه ، فإنما يقع على جهل القوم بالمعاني أو بطريقة كلام العرب.
وليس ذلك من مقصود كتابنا هذا ، وقد قال النبي صلىاللهعليهوسلم : (فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه) (١) وقد قصدنا فيما أمليناه الاختصار ، ومهدنا الطريق ، فمن كمل طبعه للوقوف على فصل أجناس الكلام استدرك ما بينا ، ومن تعذر عليه الحكم بين شعر جرير والفرزدق والأخطل ، والحكم بين فضل زهير والنابغة أو الفضل بين البحتري وأصحابه ، ولم يعرف سخف مسيلمة في نظمه ، ولم يعلم أنه من الباب الذي يهزأ به ويسخر منه كشعر أبي العيس في جملة الشعر ، وشعر علي بن صلاة فكيف يمكنه النظر فيما وصفنا ، والحكم على ما بينا؟
فإن قال قائل : فاذكر لنا من هؤلاء الشعراء الذين سميتهم الأشعر ، والأبلغ ، قيل له : هذا أيضا خارج عن غرض هذا الكتاب ، وقد تكلم فيه الأدباء ويحتاج أن يجدد لنحو هذا كتاب ، ويفرد له باب ، وليس من قبيل ما نحن فيه بسبيل.
وليس لقائل أن يقول : قد يسلم بعض الكلام من العوارض والعيوب ، ويبلغ أمده في الفصاحة والنظم العجيب ، ولا يبلغ عندكم حد المعجز ، فلم قضيتم بما قضيتم به في القرآن دون غيره من الكلام؟
وإنما لم يصح هذا السؤال ، وما نذكر فيه من أشعار في نهاية الحسن ، وخطب
__________________
(١) الترمذي (٢٩٢٦) ، والترغيب ٢ / ٤٣٥ ، والأسماء والصفات (٢٣٨) ، وفتح الباري ٩ / ٦٦ ، والقرطبي ١ / ٤.