وأما البيت الثالث فهو أجنبي من كلامه ، غريب في طباعه ، نافر من جملة شعره ، وفيه كزازة وفجاجة ، وإن كان المعنى صالحا. فأما قوله :
وأغرّ في الزمن البهيم محجّل |
|
قد رحت منه على أغرّ محجّل |
كالهيكل المبنيّ إلا أنه |
|
في الحسن جاء كصورة في هيكل |
فالبيت الأول لم يتفق له فيه خروج حسن ، بل هو مقطوع عما سلف من الكلام. وعامّة خروجه نحو هذا ، وهو غير بارع في هذا الباب ، وهذا مذموم معيب منه ، لأن من كان صناعته الشعر وهو يأكل به ، وتغافل عما يدفع إليه في كل قصيدة ، واستهان بأحكامه وتجويده مع تتبعه لأن يكون عامة ما يصدر به أشعاره من النسيب عشرة أبيات ، وتتبعه للصنعة الكثيرة ، وتركيب العبارات وتنقيح الألفاظ وتزويرها ، كان ذلك أدخل في عيبه ، وأدل على تقصيره أو قصوره ، وإنه لا يقع له الخروج منه.
وأما قوله : «وأغرّ في الزمن البهيم محجل» فإن ذكر التحجيل في الممدوح قريب ، وليس بجيد. وقد يمكن أن يقال : بأنه إذا قرن بالأغر حسن وجرى مجراه ، وانخرط في سلكه ، وأهوى إلى مضماره ، ولم ينكر لمكانه من جواره. فهذا عذر ، والعدول عنه أحسن.
وإنما أراد أن يرد العجز على الصدر ، ويأتي بوجه في التجنيس. وفيه شيء ؛ لأن ظاهر كلامه يوهم أنه قد صار ممتطي الأغر الأول ، ورائحا عليه. ولو سلم من ذلك لم يكن فيه ما يفوت حدود الشعراء وأقاويل الناس. فأما ذكر الهيكل في البيت الثاني ورده عجز البيت عليه ، وظنه أنه قد ظفر بهذه اللفظة ، وعمل شيئا حتى كررها ، فهي كلمة فيها ثقل ، ونحن نجدهم إذا أرادوا أن يصنعوا نحو هذا قالوا : ما هو إلا صورة ، وما هو إلا تمثال ، وما هو إلا دمية ، وما هو إلا ظبية ، ونحو ذلك من الكلمات الخفيفة على القلب واللسان.
وقد استدرك هو أيضا على نفسه فذكر أنه كصورة في هيكل ، ولو اقتصر على ذكر الصورة وحذف الهيكل كان أولى وأجمل. ولو أن هذه الكلمة كررها أصحاب العزائم على الشياطين لراعوهم بها وأفزعوهم بذكرها وذلك من كلامهم ، وشبيه بصناعتهم ، وأما قوله :
وافي الضّلوع يشدّ عقد حزامه |
|
يوم اللقاء على معمّ مخول |
أخواله للرّستمين بفارس |
|
وجدوده للتّبّعين بموكل |
نبل المحزم مما يمدح به الخيل ، فهو لم يأت فيه ببديع. وقوله : يشد عقد حزامه داخل في التكلف ، والتعسف لا يقبل من مثله. وإن قبلناه من غيره لأنه يتتبع الألفاظ وينقدها نقدا شديدا. فهلا قال : يشد حزامه ، أو يأتي بحشو آخر سوى العقد. فقد عقد هذا