البيت بذكر العقد. ثم قوله : «يوم اللقاء» حشو آخر لا يحتاج إليه. وأما البيت الثاني : فمعناه أصلح من ألفاظه ، لأنها غير مجانسة لطباعه ، وفيها غلظ ونفار وأما قوله :
يهوى كما تهوى العقاب وقد رأت |
|
صيدا وينقض انقضاض الأجدل |
متوجس برقيقتين كأنما |
|
تريان من ورق عليه موصل |
ما إن يعاف قذى ولو أوردته |
|
يوما خلائق حمدويه الأحول |
البيت الأول صالح وقد قاله الناس ، ولم يسبق إليه ، ولم يقل ما لم يقولوه ، بل هو منقول. وفي سرعة عدو الفرس تشبيهات ليس هذا بأبدعها ، وقد يقولون : يفوت الطرف ويسبق الريح ، ويجاري الوهم ، ويكدّ النظر ، ولو لا أن الإتيان على محاسن ما قالوه في ذلك يخرج الكلام عن غرض الكتاب ، نقلت لك جملة مما ذهبوا إليه في هذا المعنى ، فتتّبع تعلم أنه لم يأت فيها بما يجل عن الوصف ، أو يفوت منتهى الحد.
على أن الهوىّ يذكر عند الانقضاض خاصة ، وليس للفرس هذه الصفة في الحقيقة إلا أن يشبه جده في العدو بحالة انقضاض البازي والعقاب. وليست تلك الحالة بأسرع أحوال طيرانها.
وأما البيت الثاني فقوله : إن الأذنين كأنهما من ورق موصل ، وإنما أراد بذلك حدتهما ، وسرعة حركتهما ، وإحساسهما بالصوت ، كما يحس الورق بحفيف الريح. وظاهر التشبيه غير واقع ، وإذا ضمن ما ذكرنا من المعنى كان المعنى حسنا. ولكن لا يدل عليه اللفظ ، وإنما يجري مجرى المضمن. وليس هذا البيت برائق اللفظ ، ولا مشاكل فيه لطيفة غير قوله : متوجس برقيقتين. فإن هذا القدر هو حسن.
وأما البيت الثالث : فقد ذكرنا فيما مضى من الكتاب أنه من باب الاستطراد ، ونقلنا نظائر ذلك من قول أبي تمام وغيره. وقطعة أبي تمام في نهاية الحسن في هذا المعنى. والذي وقع للبحتري في هذا البيت عندي ليس يجيد في لفظ ولا معنى. وهو بيت وحش جدا ، قد صار قذى في عين هذه القصيدة ، بل وخزا فيها ووبالا عليها ، قد كدر صفاءها ، وأذهب بهاءها وماءها ، وطمس بظلمته سناها.
وما وجه مدح الفرس بأنه لا يعاف قذى من المياه إذا وردها؟ كأنه أراد أن يسلك مسلك بشار في قوله : «ولا يشرب الماء إلا بدم» وإذا كان لهذا الباب مجانبا ، وعن هذا السمت بعيدا ، فهلا وصفها بعزة الشرب كما وصفها المتنبي في قوله :
وصول إلى المستصعبات بخيله |
|
فلو كان قرن الشمس ماء لأوردا |