هيهات هيهات!! إن الصبح يطمس النجوم وإن كانت زاهرة ، والبحر يغمر الأنهار وإن كانت زاخرة.
متى تهيأ للآدمي أن يقول في وصف كتاب سليمان عليهالسلام ، بعد ذكر العنوان والتسمية ، هذه الكلمة الشريفة العالية : (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) (١) والخلوص من ذلك إلى ما صارت إليه من التدبير ، واشتغلت به من المشورة ، ومن تعظيمها أمر المستشار ، ومن تعظيمهم أمرها ، وطاعتها بتلك الألفاظ البديعة ، والكلمات العجيبة البليغة.
ثم كلامها بعد ذلك لتعلم تمكن قولها : (يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ) (٢) وذكر قولهم : قالوا : (نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ) (٣) لا تجد في صفتهم أنفسهم أبدع مما وصفهم به.
وقوله : (وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ) تعلم براعته بنفسه ، وعجيب معناه ، وموضع اتفاقه في هذا الكلام ، وتمكن الفاصلة ، وملاءمته لما قبله ، وذلك قوله : (فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ) (٤) ثم إلى هذا الاختصار ، وإلى البيان مع الإيجاز ، فإن الكلام قد يفسد الاختصار ويعميه التخفيف منه والإيجاز. وهذا مما يزيده الاختصار بسطا لتمكنه ووقوعه موقعه. ويتضمن الإيجاز منه تصرفا يتجاوز محله وموضعه.
وكم جئت إلى كلام مبسوط يضيق عن الإفهام ، ووقعت على حديث طويل يقصر عما يراد به من التمام ، ثم لو وقع على الإفهام والتمام ، أخلّ بما يجب فيه من شروط الإحكام ، أو بمعاني القصة وما تقتضي من الإعظام ثم لو ظفرت بذلك كله رأيته ناقصا في وجه الحكمة ، أو مدخولا في باب السياسة ، أو مصفوفا في طريق السيادة ، أو مشترك العبارات إن كان مستجود المعنى ، أو جيد البلاغة ، مستجلب المعنى ، أو مستجلب البلاغة ، جيد المعنى ، أو مستنكر اللفظ ، وحشي العبارة ، أو مستبهم الجانب ، مستكره الوضع.
وأنت لا تجد في جميع ما تلونا عليك إلا ما إذا بسط أفاد. وإذا اختصر كمل في بابه وجاد. وإذا سرّح الحكيم في جوانبه طرف خاطبه ، وبعث العليم في أطرافه عيون مباحثه ، لم يقع إلا على محاسن تتوالى ، وبدائع تترى ، ثم فكر بعد ذلك في آية آية ، أو كلمة كلمة ،
__________________
(١) آية (٣١) سورة النمل.
(٢) آية (٣٢) سورة النمل.
(٣) آية (٣٤) سورة النمل.
(٤) سبقت.