وقوله أيضا :
به أيطلا ظبي وساقا نعامة |
|
وإرخاء سرحان وتقريب تنفل |
فأما قوله : قيد الأوابد ، فهو مليح ، ومثله في كلام الشعراء وأهل الفصاحة كثير. والتعمل بمثله ممكن.
وأهل زماننا الآن يصنفون نحو هذا تصنيفا ، ويؤلفون المحاسن تأليفا ، ثم يوشحون به كلامهم. والذين كانوا من قبل لغزارتهم وتمكّنهم لم يكونوا يتصنّعون لذلك ، إنما كان يتفق لهم اتفاقا ، ويطّرد في كلامهم اطرادا.
وأما قوله في وصفه : «مكرّ مفرّ» فقد جمع فيه طباقا وتشبيها ، وفي سرعة جري الفرس للشعراء ما هو أحسن من هذا وألطف. وكذلك في جمعه بين أربعة وجوه من التشبيه في بيت واحد صنعة. ولكن قد عورض فيه وزوحم ، والتوصل إليه يسير ، وتطلبه سهل قريب.
وقد بيّنا لك أن هذه القصيدة ونظائرها تتفاوت في أبياتها تفاوتا بيّنا في الجودة والرداءة ، والسلاسة والانعقاد ، والسلامة والانحلال ، والتمكن والتسهيل ، والاسترسال ، والتوحش والاستكراه. وله شركاء في نظائرها ومنازعون في محاسنها ، ومعارضون في بدائعها. ولا سواء كلام ينحت عن الصخر تارة ، ويذوب تارة ، ويتلوّن تلوّن الحرباء ، ويختلف اختلاف الأهواء ، ويكثر في تصرفه اضطرابه ، وتتقاذف به أسبابه وبين قول يجري في سبكه على نظام ، وفي رصفه على منهاج ، وفي وضعه على حدّ ، وفي صفائه على باب ، وفي بهجته ورونقه على طريق ، مختلفه مؤتلف ، ومؤتلفه متّحد ، ومتباعده متقارب ، وشارده مطيع ، ومطيعه شارد. وهو على متصرّفاته واحد ، لا يستصعب في حال ، ولا يتعقد في شأن.
وكنا أردنا أن نتصرّف في قصائد مشهورة ، فنتكلم عليها ، وندلّ على معانيها ومحاسنها ، ونذكر لك من فضائلها ونقائصها ، ونبسط لك القول في هذا الجنس ، ونفتح عليك في هذا النهج.
ثم رأينا هذا خارجا عن غرض كتابنا ، والكلام فيه يتصل بنقد الشعر وعياره ، ووزنه بميزانه ومعياره ؛ ولذلك كتب وإن لم تكن مستوفاة ، وتصانيف وإن لم تكن مستقصاة.
وهذا القدر يكفي في كتابنا. ولم نحب أن ننسخ لك ما سطره الأدباء في خطأ امرئ القيس في العروض والنحو والمعاني ، وما عابوه عليه في أشعاره ، وتكلموا به على ديوانه ، لأن ذلك أيضا خارج عن غرض كتابنا ، ومجانب لمقصوده.