فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى |
|
بنا بطن خبت ذي حقاف عقنقل |
البيت الأول من مساعدتها إياه ، حتى قامت معه ليخلوا ، وإنما كانت تجر على الأثر أذيال مرط مرجّل ، والمرجّل : ضرب من البرود ، يقال : لو شبه الترجيل وفيه تكلف لأنه قال : وراءنا على إثرنا. ولو قال على إثرنا ، كان كافيا. والذيل إنما يجر وراء الماشي ، فلا فائدة لذكره وراءنا. وتقدير القول : فقمت أمشي بها ، وهذا أيضا ضرب من التكلف. وقوله أذيال مرط ، كان من سبيله أن يقول : ذيل مرط ، على أنه لو سلم من ذلك كان قريبا ، ليس مما يفوت بمثله غيره ، ولا يتقدم به سواه ، وقول ابن المعتز أحسن منه :
فبت أفرش خدي في الطريق له |
|
ذلا واسحب أكمامي على الأثر |
وأما البيت الثاني فقوله : أجزنا بمعنى قطعنا ، والخبت بطن من الأرض ، والحقف رمل منعرج ، والعقنقل : المنعقد من الرمل الداخل بعضه في بعض.
وهذا بيت متقارب مع الأبيات المتقدمة ، لأن فيها ما هو سلس قريب يشبه كلام المولدين ، وكلام البذلة. وهذا قد أغرب فيه وأتى بهذه اللفظة الوحشية ، المتعقدة ، وليس في ذكرها والتفضيل بإلحاقها بكلامها فائدة.
والكلام الغريب ، واللفظة الشديدة المباينة لنسج الكلام قد تحمد إذا وقعت موقع الحاجة في وصف ما يلائمها ، كقوله عزوجل في وصف يوم القيامة : (يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً) (١) فأما إذا وقعت في غير هذا الموقع فهي مكروهة مذمومة ، بحسب ما تحمد في موضعها.
وروي أن جريرا أنشد بعض خلفاء بني أمية قصيدته :
بان الخليط برامتين فودعوا |
|
أو كلما جدوا لبين تجزع؟ |
كيف العزاء ولم أجد مذ بنتم |
|
قلبا يقر ولا شرابا ينقع |
قال : وكان يزحف من حسن هذا الشعر حتى بلغ قوله :
وتقول بوزع : قد دببت على العصا |
|
هلّا هزئت بغيرنا يا بوزع |
فقال : أفسدت شعرك بهذا الاسم ، وأما قوله :
هصرت بغصني دوحة فتمايلت |
|
عليّ هضيم الكشح ريّا المخلخل |
مهفهفة بيضاء غير مفاضة |
|
ترائبها مصقولة كالسّجنجل |
فمعنى قوله : هصرت : جذبت وثنيت.
__________________
(١) آية (١٠) سورة الإنسان.