ولابن الطثرية :
إذا ما الثريا في السماء كأنها |
|
جمان وهي من سلكه فتبدّدا |
ولو نسخت لك كل ما قالوا من البديع في وصف الثريا لطال عليك الكتاب ، وخرج عن الغرض. وإنما نريد أن نبين لك أن الإبداع في نحو هذا أمر قريب ، وليس فيه شيء غريب.
وفي جملة ما نقلناه ، ما يزيد على تشبيهه في الحسن ، أو يساويه أو يقاربه. فقد علمت أن ما حلّق فيه ، وقدر المتعصب له أنه بلغ النهاية فيه أمر مشترك ، وشريعة مورودة ، وباب واسع ، وطريق مسلوك. وإذا كان هذا بيت القصيدة ، ودرة القلادة ، وواسطة العقد ، وهذا محله فكيف بما تعداه؟
ثم فيه ضرب من التكلف لأنه قال : «إذا ما الثريا في السماء تعرضت» ، تعرض أثناء الوشاح فقوله : تعرضت من الكلام الذي يستغنى عنه ، لأنه يشبّه أثناء الوشاح ، سواء كان في وسط السماء ، أو عند الطلوع والمغيب.
فالتهويل بالتعرض والتطويل بهذه الألفاظ لا معنى له ، وفيه أن الثريا كقطعة من الوشاح المفصّل ، فلا معنى لقوله : تعرض أثناء الوشاح وإنما أراد أن يقول تعرض قطعة من أثناء الوشاح ، فلم يستقم له اللفظ حتى شبه ما هو كالشيء الواحد بالجمع وقوله :
فجئت وقد نضت لنوم ثيابها |
|
لدى السّتر إلا لبسة المتفضّل |
فقالت : يمين الله ما لك حيلة |
|
وما إن أرى عنك المعاوية تنجلي |
انظر إلى البيت الأول ، والأبيات التي قبله ، كيف خلّط في النظم ، وفرّط في التأليف! فذكر التمتع بها ، وذكر الوقت والحال والحرّاس. ثم يذكر كيف كان صفتها لما دخل عليها ، ووصل إليها من نزعها ثيابها إلا ثوبا واحدا ، والمتفضّل : الذي في ثوب واحد ، وهو الفضل ، فما كان من سبيله أن يقدّمه إنما ذكره مؤخرا.
وقوله لدى الستر حشو ، وليس بحسن ولا بديع ، وليس في البيت حسن ولا شيء يفضّل لأجله.
وأما البيت الثاني ففيه تعليق واختلال. ذكر الأصمعي أن معنى قوله : ما لك حيلة ، أي ليست لك جهة تجيء فيها والناس حوالي. والكلام في المصراع الثاني منقطع عن الأول ، ونظمه إليه فيه ضرب من التفاوت ، وقوله :
فقمت بها أمشي تجرّ وراءنا |
|
على إثرنا أذيال مرط مرجّل |