فيه أحدا من المتأخرين ، فضلا عن المتقدمين ، وإنما قدم في شعره لأبيات قد برع فيها وبان حذقه بها. وإنما أنكرنا أن يكون شعره متناسبا في الجودة ومتشابها في صحة المعنى واللفظ ، وقلنا إنه يتصرف بين وحشي غريب مستنكر وعربية كالمهل مستنكرة ، وبين كلام سليم متوسط ، وبين عامي سوقي في اللفظ والمعنى ، وبين حكمة حسنة ، وبين سخف مستشنع.
ولهذا قال الله عز اسمه : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (١) فأما قوله :
وبيضة خدر لا يرام خباؤها |
|
تمتعت من لهوبها غير معجل |
تجاوزت أحراسا وأهوال معشر |
|
عليّ حراص لو يسرّون مقتلي |
فقد قالوا : عنى بذلك أنها كبيضة خدر في صفائها ورقتها. وهذه كلمة حسنة ، ولكن لم يسبق إليها ، بل هي دائرة في أفواه العرب وتشبيه سائر.
ويعني بقوله : غير معجل ، أنه ليس ذلك مما يتفق قليلا وأحيانا ، بل يتكرر له الاستمتاع بها. وقد يحمله غيره على أنه رابط الجأش فلا يستعجل إذا دخلها خوف حصانتها ومنعتها.
وليس في البيت كبير فائدة ، لأنه الذي حكى في سائر أبياته ، فلا تتضمن مطاولته في المغازلة ، واشتغاله بها. فتكريره في هذا البيت مثل ذلك قليل المعنى ، إلا الزيادة التي ذكر من منعتها. وهو مع ذلك بيت سليم اللفظ في المصراع الأول ، دون الثاني. والبيت الثاني ضعيف وقوله : لو يسرون مقتلي ، أراد أن يقول لو أسروا فإذا نقله إلى هذا ضعف ووقع في مضمار الضرورة. والاختلال على نظمه بيّن حتى أن المحترز يحترز من مثله وقوله :
إذا ما الثريا في السماء تعرضت |
|
تعرض أثناء الوشاح المفصّل |
وقد أنكر عليه قوم قوله : «إذا ما الثريا في السماء تعرضت» ، وقالوا : الثريا لا تتعرض ، حتى قال بعضهم : سمي الثريا ، وإنما أراد الجوزاء لأنها تعرض والعرب تفعل ذلك كما قال زهير : «كأحمر عاد» وإنما هو أحمر ثمود ، وقال بعضهم في تصحيح قوله : تعرض له أول ما تطلع كما أن الوشاح إذا طرح يلقاك بعرضه ، وهو ناحيته ، وهذا كقول الشاعر :
تعرّضت لي بمجان خلّ |
|
تعرّض المهرة في الطول |
__________________
(١) آية (٨٢) سورة النساء.