من الفحش والتفحش ما يستنكف من مثله ويأنف من ذكره ، وكقوله :
إذا ما بكى من خلفها انصرفت له |
|
بشقّ ، وتحتي شقّها لم يحوّل |
ويوما على ظهر الكثيب تعذّرت |
|
عليّ وآلت حلفة لم تحلّل |
فالبيت الأول غاية في الفحش ، ونهاية في السخف. وأي فائدة لذكره لعشيقته ، كيف كان يركب هذه القبائح ، ويذهب هذه المذاهب ، ويرد هذه الموارد؟! إن هذا ليبغضه إلى كل من سمع كلامه. ويوجب له المقت. وهو لو صدق لكان قبيحا ، فكيف ويجوز أن يكون كاذبا. ثم ليس في البيت لفظ بديع ، ولا معنى حسن. وهذا البيت متصل بالبيت الذي قبله ، من ذكر المرضع التي لها ولد محول. فأما البيت الثاني وهو قوله ويوما يتعجب منه ، وإنما تشددت وتعسرت عليه ، وحلفت عليه ، فهو كلام رديء النسج ، لا فائدة لذكره لنا ، أن حبيبته تمنعت عليه يوما بموضع يسميه ويصفه. وأنت تجد في شعر المحدثين من هذا الجنس في التغزل ما يذوب معه اللب وتطرب عليه النفس ، وهذا مما تستنكره النفس ويشمئز منه القلب ، وليس فيه شيء من الإحسان والحسن. وقوله :
أفاطم مهلا بعض هذا التدلّل |
|
وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي |
أغرّك مني أن حبّك قاتلي |
|
وأنك مهما تأمري القلب يفعل |
فالبيت الأول فيه ركاكة جدا ، وتأنيث ورقة. ولكن فيهما تخنيث! ولعل قائلا يقول :
إن كلام النساء بما يلائمهن من الطبع أوقع وأغزل؟ وليس كذلك ، لأنك تجد الشعراء في الشعر المؤنث لم يعدلوا عن رصانة قولهم.
والمصراع الثاني منقطع عن الأول لا يلائمه ولا يوافقه ، وهذا يبين لك إذا اعترضت معه البيت الذي تقدمه ، وكيف ينكر عليها تدللها ، والمتغزل يطرب على دلال الحبيب وتدلّله؟
والبيت الثاني : قد عيب عليه لأنه قد أخبر أن من سبيلها أن لا تغتر بما يريها من أن حبها يقتله. وأنها تملك قلبه ، فما أمرته فعله. والمحب إذا أخبر عن مثل هذا صدق ، وإن كان المعنى غير هذا الذي عيب عليه ، وإنما ذهب مذهبا آخر وهو أنه أراد أن يظهر التجلد ، فهذا خلاف ما أظهر من نفسه فيما تقدم من الأبيات ، من الحب والبكاء على الأحبة. فقد دخل في وجه آخر من المناقضة والإحاطة في الكلام ، ثم قوله : تأمري القلب يفعل معناه : تأمريني. والقلب لا يؤمر ، والاستعارة في ذلك غير واقعة ولا حسنة. وقوله :
فإن كنت قد ساءتك مني خليقة |
|
فسلّي ثيابي عن ثيابك تنسل |
وما ذرفت عيناك إلا لتضربي |
|
بسهميك في أعشار قلب مقتّل |