إعادة ذكره الدمع حشو آخر. وكان يكفيه أن يقول : حتى بلّت محملي ، فاحتاج لإقامة الوزن إلى هذا كله.
ثم تقديره أنه قد أفرط في إفاضة الدمع حتى بلّ محمله ، تفريط منه وتقصير. ولو كان أبدع لكان يقول : حتى بلّ دمعي مغانيهم وعراصهم. ويشبه أن يكون غرضه إقامة الوزن والقافية ، لأن الدمع يبعد أن يبلّ المحمل. وإنما يقطر من الواقف والقاعد على الأرض أو على الذيل. وإن بله فلقلته وأنه لا يقطر. وأنت تجد في شعر الخبزرزيّ ما هو أحسن من هذا البيت وأمتن وأعجب منه.
والبيت الثاني خال من المحاسن والبديع ، خال من المعنى. وليس له لفظ يروق ولا معنى يروع. من طبائع السوقة ، فلا يرعك تهويله ، باسم موضع غريب ، وقال :
ويوم عقرت للعذارى مطيّتي |
|
فيا عجبا من رحلها المتحمّل |
فظلّ العذارى يرتمين بلحمها |
|
وشحم كهدّاب الدّمقس المفتّل |
تقديره : أذكر يوم عقرت مطيتي. أو يرده على قوله : يوم بدارة جلجل وليس في المصراع الأول من هذا البيت إلا سفاهته.
قال بعض الأدباء قوله : يا «عجبا» ، يعجبهم من سفهه في شبابه من نحره ناقته لهم.
وإنما أراد أن لا يكون الكلام من هذا المصراع منقطعا عن الأول. وأراد أن يكون الكلام ملائما له.
وهذا الذي ذكره بعيد. وهو منقطع عن الأول. وظاهره أنه يتعجب من تحمل العذارى رحله ، وليس في هذا تعجب كبير. ولا في نحر الناقة لهن تعجب ، وإن كان يعني به أنهن حملن رحله ، وأن بعضهن حملته ، فعبر عن نفسه برحله ، فهذا قليلا يشبه أن يكون عجبا. لكن الكلام لا يدل عليه. ويتجافى عنه. ولو سلم البيت من العيب لم يكن فيه شيء غريب ولا معنى بديع ، أكثر من سفاهته ، مع قلة معناه ، وتقارب أمره ، ومشاكلته طبع المتأخرين من أهل زماننا. وإلى هذا الوضع لم يمر له بيت رائع ، وكلام رائق.
وأما البيت الثاني فيعدونه حسنا ، ويعدون التشبيه مليحا واقعا ، وفيه شيء : وذلك أنه عرّف اللحم ، ونكّر الشّحم ، فلا يعلم أنه وصف شحمها ، وذكر تشبيه أحدهما بشيء واقع ، وعجز عن تشبيه القسمة الأولى ، فمرّت مرسلة ، وهذا نقص في الصنعة ، وعجز عن إعطاء الكلام حقّه ، وفيه شيء آخر من جهة المعنى : وهو أنه وصف طعامه الذي أطعم من أضاف بالجودة ، وهذا قد يعاب ، وقد يقال إن العرب تفتخر بذلك ، ولا يرونه عيبا. وإنما الفرس هم الذين يرون هذا عيبا شنيعا.