فإن كان رد ذلك إلى هذه البقاع ، والأماكن التي المنزل واقع بينها ، فذلك خلل ؛ لأنه إنما يريد صفة المنزل الذي نزله حبيبه بعفائه ، أو بأنه لم يعف دون ما جاوره. وإن أراد بالمنزل الدار حتى أنث ، فذلك أيضا خلل. ولو سلم من هذا كله ، ومما نكره ذكره كراهية التطويل ، لم يشك في أن شعر أهل زماننا لا يقصر عن البيتين بل يزيد عليهما ويفضلهما. ثم قال :
وقوفا بها صحبي عليّ مطيّهم |
|
يقولون لا تهلك أسى وتحمّل |
وإن شفائي عبرة مهراقة |
|
فهل عند رسم دارس من معوّل |
وليس في البيتين أيضا معنى بديع ، ولا لفظ حسن كالأولين.
والبيت الأول منهما متعلق بقوله : «قفا نبك» فكأنه قال : قفا وقوف صحبي بها على مطيهم. أوقفا حال وقوف صحبي. وقوله بها متأخر في المعنى وإن تقدم في اللفظ. ففي ذلك تكلف وخروج عن اعتدال الكلام.
والبيت الثاني مختل من جهة أنه قد جعل الدمع في اعتقاده شافيا كافيا. فما حاجته بعد ذلك إلى طلب حيلة أخرى ، وتحمّل ومعوّل عند الرسوم؟ ولو أراد أن يحسن الكلام ، لوجب أن يدلّ على أن الدمع لا يشفيه لشدة ما به من الحزن. ثم يسائل هل عند الربع من حيلة أخرى؟ وقوله :
كدأبك من أم الحويرث قبلها |
|
وجارتها أمّ الرّباب بمأسل |
إذ قامتا تضوّع المسك منهما |
|
نسيم الصبا يأتي بريّا القرنفل |
أنت لا تشك في أن البيت الأول قليل الفائدة ، ليس له مع ذلك بهجة ، فقد يكون الكلام مصنوع اللفظ ، وإن كان منزوع المعنى. وأما البيت الثاني فوجه التكلف فيه قوله : إذا قامتا تضوع المسك منهما. ولو أراد أن يجود أفاد أن بهما طيبا على كل حال.
فأما في حال القيام فقط فذلك تقصير ، ثم فيه خلل آخر لأنه بعد أن شبه عرفها بالمسك ، شبه ذلك بنسيم القرنفل ، وذكر ذلك بعد ذكر المسك نقص. وقوله نسيم الصبا في تقدير المنقطع عن المصراع الأول لم يصله به وصل مثله. وقوله :
ففاضت دموع العين مني صبابة |
|
على النحر حتى بلّ دمعي محملي |
ألا رب يوم لك منهن صالح |
|
ولا سيما يوم بدارة جلجل |
قوله : ففاضت دموع العين ، ثم استعانته بقوله مني ، استعانة ضعيفة عند المتأخرين في الصنعة. وهو حشو غير مليح ، ولا بديع. وقوله : على النحر ، حشو آخر ، لأن قوله : بلّ دمعي محملي يغني عنه ، ويدل عليه. وليس بحشو حسن. ثم قوله : حتى بلّ دمعي محملي