قوله تعالى : (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) [٣٠] قال : حسن العمل الاستقامة عليه بالسنة ، وإنما مثل السنة في الدنيا مثل الجنة في الآخرة ، ومن دخل الجنة سلّم ، كذلك من لزم السنة في الدنيا سلم من الآفات. وقال مالك بن أنس رضي الله عنه : لو أن رجلا ارتكب جميع الكبائر ثم لم يكن فيه شيء من هذه الأهواء والبدع لرجوت له. ثم قال : من مات على السنة فليبشر ثلاث مرات. وقال سهل : لا يرفع الحجاب عن العبد حتى يدفن نفسه في الثرى. قيل له : كيف يدفن نفسه في الثرى؟ قال : يميتها على السنة ، ويدفنها في اتباع السنة ، لأن لكل شيء من مقامات العابدين مثل الخوف والرجاء والحب والشوق والزهد والرضا والتوكل غاية ، إلا السنة فإنه ليست لها غاية ونهاية. وسئل عن معنى قوله : «ليست للسنة غاية» متى بن أحمد فقال : لا يكون لأحد مثل خوف النبي صلىاللهعليهوسلم أو حبه أو شوقه ، أو زهده أو رضاه أو توكله أو أخلاقه ، وقد قال الله تعالى : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم : ٤]. وسئل عن معنى قوله صلىاللهعليهوسلم : «أجيعوا أنفسكم وأعروها» (١) ، فقال : أجيعوا أنفسكم إلى العلم وأعروها عن الجهل.
قوله : (قُلْتَ ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ) [٣٩] أي ما شاء الله في سابق علمه ، لا يقف عليه أحد إلا الله تعالى ، (لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ) [٣٩] أي لا قوة لنا على أداء ما أمرتنا به في الأصل ، والسلامة منه في الفرع ، والخاتمة المحمودة إلا بمعونتك ، وكذا تفسير قوله صلىاللهعليهوسلم : «لا حول ولا قوة إلا بالله» (٢) أي لا حول عن السلامة من الجهل في الأصل ، ومن الإصرار في الفرع إلا بعصمتك ولا قوة لنا على أداء ما أمرتنا به في الأصل والسلامة منه في الفرع والخاتمة المحمودة إلا بمعونتك. وسئل سهل : ما أفضل ما أعطي العبد؟ قال : علم يستزيد به افتقارا إلى الله عزوجل.
قوله : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى) [٥٥] قال : جاءهم الهدى وطرق الهداية كانت مسدودة عليهم ، فمنعهم الهدى والإيمان الحكم الذي جرى عليهم في الأزل.
قوله : (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ) [١٠٩] قال : أي بعلم ربي وعجائبه ، ثم قال : إن من علمه كتابه ، لو أن عبدا أعطي لكل حرف من القرآن ألف فهم لما بلغ نهايته علم الله فيه ، لأنه كلامه القديم ، وكلامه صفته ، ولا نهاية لصفاته ، كما لا نهاية له ، وإنما يفهم على قدر ما يفتح الله على قلوب أوليائه من فهم كلامه.
قوله : (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) [١١٠] قال : العمل الصالح ما كان خاليا عن الرياء مقيدا بالسنة ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________________
(١) هذا القول للنبي عيسى عليهالسلام في الحلية ٢ / ٣٧٠.
(٢) صحيح البخاري : التهجد ، رقم ١٠٦٩.