نعمة الله عليهم لعذبهم عليها ، وهو غير ظالم. قيل لسهل : أي شيء يفعل الله بعبده إذا أحبه؟ قال : يلهمه الاستغفار عند التقصير ، والشكر له عند النعمة ، وإنما أرادوا بالنية أن يتعرفوا بها نعم الله تعالى عليهم ، فيدوم لهم الشكر ويدوم لهم المزيد. (ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ) [٥٣] يعني إياه تدعون عند الفقر والبلاء ، وربما يكون ذلك نعمة من الله عليكم ، إذ لو شاء لابتلاكم بأشد منه ، فيصير ذلك عند أشد البلاء نعمة ، فيجزعون منه ، ولا يصبرون ولا يشكرون. وبلغنا أن الله تعالى أوحى إلى داود عليهالسلام فقال : اصبر على المئونة تأتك مني المعونة (١).
قوله تعالى : (فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) [٥٥] قال : هذا وعد من الله تعالى لكفار مكة على تكذيبهم ، مع ما أنعم الله عليهم في الدنيا ، أنهم سيعلمون جزاء ذلك في الآخرة ، وهذه الآية أيضا وعيد شديد للغافلين على ما قال الرسول صلىاللهعليهوسلم : «من أخذ من الدنيا نهمته حيل بينه وبين نهمته في الآخرة حلالها حساب وحرامها عقاب» (٢) ، وإنما يحاسب المؤمنون بما أخذوا من الحلال فضلا على ما يكفيهم ، فأما من أخذ البلغة من الحلال فهو داخل تحت قوله صلىاللهعليهوسلم : «ليس من الدنيا كسرة يسد بها المؤمن جوعته ، وثوب يواري به عورته ويؤدي فيه فرضه ، وبيت يكنه من حر الشمس وبرد الشتاء» (٣).
قوله : (تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً) [٦٧] قال : هذه الآية نسخت بآية الخمر ، كذا قال إبراهيم (٤) والشعبي (٥). قال سهل : السكر عندي ما يسكر النفس في الدنيا ، ولا تؤمن عاقبته في الآخرة. وقد دخل على سهل أبو حمزة الصوفي (٦) فقال : أين كنت يا أبا حمزة؟ قال :
__________________
(١) فيض القدير ٢ / ٣١٨ ، وأعاده في ٢ / ٣١٩ وبعده : (وإذا رأيت لي طالبا فكن له خادما).
(٢) الترغيب والترهيب ٤ / ٧٧ (رقم ٤٨٦٨) ؛ وشعب الإيمان ٧ / ١٢٥ (رقم ٩٧٢٢).
(٣) في الترغيب والترهيب ٤ / ٧٧ (رقم ٤٨٧٠) : (روي عن ثوبان رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله ، ما يكفيني من الدنيا؟ قال : ما سدّ جوعتك ، ووارى عورتك ، وإن كان لك بيت يظلك فذاك ، وإن كانت لك دابة فبخ. رواه الطبراني في الأوسط).
(٤) إبراهيم بن أدهم بن منصور ، التميمي ، البلخي (... ـ ١٦١ ه) : زاهد مشهور ، تفقه ورحل إلى بغداد ، وجال في العراق والشام والحجاز ، وأخذ عن كثير من العلماء فيها. (الحلية ٧ / ٣٦٧).
(٥) الشعبي : عامر بن شراحيل بن عبد بن ذي كبار الشعبي الحميري (١٩ ـ ١٠٣ ه) : راوية ، من التابعين ، يضرب المثل بحفظه. كان فقيها ، شاعرا. استقضاه عمر بن عبد العزيز. (الحلية ٣ / ٤١٠ ، وتاريخ بغداد ١٢ / ٢٢٧).
(٦) أبو حمزة الصوفي : محمد بن إبراهيم الصوفي (... ـ ٢٧٠ ه) : أستاذ البغداديين في التصوف ، وكان عالما بالقراءات. (تاريخ بغداد ١ / ٣٩٠).