الأعداء. وقد حكي عن الربيع بن خيثم (١) رحمهالله أنه قال : ما أنا عن نفسي براض فأتفرغ من ذم نفسي إلى ذم الناس ، خافوا الله في ذنوب العباد ، وتواثبوا في ذنوب أنفسهم (٢).
قوله عزوجل : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً) [١٥٣] قال : الطريق المستقيم هو الذي لا يكون لأصحاب الأهواء والبدع في الدين ، هم ليست لهم توبة ، كما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لكل ذنب توبة ، إلّا لأصحاب البدع والأهواء ، وإني منهم بريء وهم مني براء ، وإن الله عزوجل حجز عنهم التوبة» (٣) ، أي ضيق عليهم التوبة.
قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [١٦٥] قال : يعني عقوبة القلب وهو الستر والحجاب ، حتى يميل إلى من سواه ، وما من عبد يطلع الله على قلبه فيرى في قلبه غيره إلّا سلط عليه عدوه ، وإنه لغفور لمن تاب منه. قال : ولا يقال لشيء من المضار عقوبة ، فإنها طهارة وكفّارة ، إلّا قسوة القلب فإنها عقوبة (٤) ، وعقوبات العلانية العذاب ، وعقوبات القلب درجات ، فالقلب للنفس فيه حظ ومراد.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً) [١٥٩] قال : المحجوب الذي يسلط الله عليه عدوه ، لا يجول قلبه في الملكوت ، ولا تظهر له القدرة ، ولا يشاهد الله ، والقلب القاسي أن يكله الله إلى تدبيره وأسبابه ، وإنما مثل ميل القلب اللسان إذا تكلم اللسان بشيء لم يتكلم بغيره ؛ كذلك القلب ؛ إذا هم بشيء لم يكن معه غيره ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________________
(١) الربيع بن خيثم بن عائذ ، أبو يزيد الثوري (... ـ ٦٥ ه) : كان يعد من عقلاء الرجال ، أدرك زمان النبي صلىاللهعليهوسلم وأرسل عنه. شهد صفين مع علي. (الحلية ٩ / ٤٨).
(٢) الحلية ٩ / ٥٢ ؛ وشعب الإيمان ٥ / ٣١٢ (رقم ٦٧٦٤) ، ٦ / ٨٧ (رقم ٧٥٦٣) ؛ وصفوة الصفوة ٣ / ٦٠.
(٣) نوادر الأصول ٢ / ٢٤٥ ، والحلية ٤ / ١٣٨ ، وفيه : (هذا حديث غريب من حديث شعبة تفرد به بقية).
(٤) في الحلية ١٠ / ٢٠٨ : (كل عقوبة طهارة ، إلا عقوبة القلب فإنها قسوة).