قوله : (وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِ) [٨٣] قال : هم القسيسون والرهبان ، كان الناس يتمسحون بهم لعلمهم في الدين ، قدموا على النبي صلىاللهعليهوسلم فقرأ عليهم القرآن ، فرقوا له ، ففاضت أعينهم ولم يستكبروا ، بعصمة الله إياهم عن الاستكبار ، فدخلوا في دينه لما وضع الله تعالى من علمه فيهم ، ثم قال : فساد الدين بثلاث : الملوك إذا أخذوا في السرف والشهوات ، والعلماء إذا أفتوا بالرخص ، والقراء إذا تعبدوا بغير علم (١) وإن العلماء يحتاج إليهم الخلق في الدنيا والآخرة ، وقد حكي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إن أهل الجنة يحتاجون إلى العلماء في الجنة كما يحتاجون إليهم في الدنيا ، يزورون ربهم في كل جمعة فيقال لهم : تمنوا ما شئتم. فينطلقون إلى العلماء ، فيقول لهم العلماء : تمنوا كذا تمنوا كذا ، فيتمنون» (٢).
وقوله تعالى : (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا) [١٠٩] يعني لا علم لنا بما كان في قلوبهم من الإيمان بك وغيره ، إنما علمنا بما أظهروه من الإقرار باللسان (إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) [١٠٩] فقيل له : يطالبهم بحقيقة ما في قلوب الأمة؟ فقال : لا ، وإنما وقع السؤال بنفسه إياهم عن حقيقة الظاهر الذي لا يظهر إلّا بحقيقة الباطن ، فأجابوا بالإشارة إلى رد العلم إليه. ويحتمل أن يكون معناه : لا علم لنا بمعنى سؤالك ، مع علمك بما أجبنا : (إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) [١٠٩].
قوله تعالى : (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) [١١٦] أي لا أعلم غيبك في سؤالك ، مع علمك به. ويحتمل أن يريد : تعلم ما في سري ولا أعلم ما في نفسك المستودع في سري ، لأن سرك بينك وبينها لا يطلع عليه أحد دونك ، وهي العين التي ترى بها الحق ، وأذن تسمع بها الحق ، ولسان ينادي بالحق. والدليل عليه قوله تعالى للمنافقين : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) [البقرة : ١٨ ، ١٧١] لأنه لم يكن لهم هذه المستودعات ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________________
(١) انظر مثل هذا القول للتستري في الحلية ١٠ / ٢٠٦.
(٢) كشف الخفاء ١ / ٢٦٣ ، ولسان الميزان ٥ / ١٥ ، وفيهما أن الحديث موضوع.