سأل ربه اللحوق بإبراهيم وإسماعيل وإسحاق فقال له : لست هناك يا داود. فقال : ولم يا رب؟ فقال : لأن أولئك ابتليتهم فصبروا ولم يعرفوا الدنيا ولا عرفتهم وإنك عرفت الدنيا وعرفتك واتخذتها أهلا. فقال داود عليهالسلام : فأرني من عبادك من لو ابتليته صبر. فقال الله عزوجل : فإني مبتليك. فكان هو المبتدي في طلب البلاء للامتحان من الله تعالى ، يعني وذلك لعلم الله السابق في غيب مستور تفرد بمعرفته ، فأتاه إبليس في صورة حمامة ، وكان من قصته وقصة أوريا ابن حنان ما كان ، والله تعالى لم يعصمه من الهم والقصد والفعل ، وعصم يوسف من الفعل ولم يعصمه من الهم والقصد.
قوله : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ) [١٥٩] يعني بتعطف من الله لنت لهم (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا) [١٥٩] باللسان (غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) [١٥٩] أي لتفرقوا من عندك (فَاعْفُ عَنْهُمْ) [١٥٩] أي تجاوز عن زللهم (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ) [١٥٩] هزيمتهم يوم أحد ، (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) [١٥٩] أي لا تبعدهم بالعصيان عنك وأشملهم بفضلك فإنك بنا تعفو وبنا تستغفر وإيانا تطالع ، (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) [١٥٩] أي إذا أردت إمضاءه بعد المشورة (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) [١٥٩] أي ثق بالله مع ذلك ، وفوض إليه جميع أمورك ، وافتقر إليه دون غيره فلم يخرج من الدنيا حتى كشف الله تعالى في قلبه العلوم التي كانت بينه وبين الله تعالى بلا واسطة فيها ، لما كان يجب من النظر والتفكر اعتبارا بقدرة ربه ، كي ينال المزيد من الله تعالى كما أمره بقوله تعالى : (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) [طه : ١١٤] وقد حث على ذلك أمته بما روي عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «شاوروا المتقين الذين يؤثرون الآخرة على الدنيا ويؤثرون على أنفسهم في أموركم». وقال : «شاوروا العلماء الصالحين فإذا عزمتم إلى إمضاء ذلك فتوكلوا على الله». وقال : آخ من الإخوان أهل التقى ، واجعل مشورتك من يخاف الله تعالى ، ولا يكن كلامك بدلا ، ولا تعادين أحدا أبدا حتى تعلم كيف صنعه بينه وبين الله تعالى ، فإن كان حسن الصنيع فلا تعادينه ، فإن الله تعالى لا يكله إليك ، وإن كان سيئ الصنيع فلا تعادينه ، فإن الصنيع السوء يكفيه. وقال : من استشير فأشار بغير رأيه سلبه الله تعالى رأيه يعني غشه فيما أشار به عليه ، وقال : من شاور واتكل في إمضاء ما عزم ثم ندم فقد اتهم الله تعالى.
قوله : (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ) [١٦٠] قال : الخذلان هو غاية الترك ، وأما الترك فإن صاحبه يذنب وهو مقر بذنبه ، فإذا أذنب على أنه ديانة فهو الخذلان ، وهو عقوبة الله تعالى صاحب الخذلان لأنه أقامه على ذنبه مع علمه به وتسويفه بالتوبة ، ألا ترى أن إبليس لما أبى وأصر عليه بعد الإباء خذله الله بعلمه السابق