حبلا لأنه من تمسك به توصل إلى الأمر الذي يؤمنه. قوله : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) [٢٨] قال : أي عدله ، لأن النار عدله لمن خالفه ، والجنة فضله لمن أطاعه ، ألا ترون إلى قوله عليه الصلاة والسلام : «يا من لا يرجى إلّا فضله ولا يخشى إلّا عدله».
قوله : (قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً) [٣٥] أي حررته وأعتقته من رق الدنيا من متابعة هواه ومرادات نفسه ، وجعلته خادما لعباد بيت المقدس خالصا لله تعالى ، (فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ) [٣٧] أي وقال : الملك الأعلى أولى بالمحرر عن رقّ النفس ورقّ الدنيا. (وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً) [٣٧] قال : بالعمل الصالح في ذكر الله تعالى وجوارحها في خدمة الله وقلبها في معرفة الله عزوجل ، (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ) [٤٣] أي لله فصلي ، وإياه بالإخلاص فاعبدي ، وإليه بالدعاء فاقنتي وتضرعي. قوله : (كَذلِكِ اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [٤٧] قال : إذا كان في علمه السابق الأزلي أمر فأراد إظهاره قال له كن فيكون ، قال القائل شعر : [من الطويل].
قضى قبل خلق الخلق ما هو خالق |
|
خلائق لا يخفى عليه أمورها |
قوله : (ثُمَّ نَبْتَهِلْ) [٦١] أي يدعو بعضنا على بعض باللعنة والمبتهل الداعي ، والابتهال الدعاء ، والمسبح الذاكر ، وهو الذي لا تكتبه إلّا الحفظة لأنه مشاهدة المذكور في الذكر بالمذكور وهو معنى قوله : «أنا جليس من ذكرني وحيثما التمسني عبدي وجدني» (١).
قوله : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ) [٦٤] يعني إلى طمع عدل بيننا وبينكم ، لأنهم كانوا مقرين بأن خالقهم وخالق السماوات والأرض هو الله تعالى ، فنوحده ولا نعبد إلّا إياه. وأصل العبادة : التوحيد مع أكل الحلال وكف الأذى ، ولا يحصل الأكل الحلال إلّا بكف الأذى ، ولا كف الأذى إلّا بأكل الحلال ، وأن تعلموا أكل الحلال وترك أذى الخلق والنية في الأعمال كما تعلموا فاتحة الكتاب ، ليصفوا إيمانكم وقلوبكم وجوارحكم ، فإنما هي الأصول. قال : حكى محمد بن سوار عن الثوري أنه قال : منزلة لا إله إلّا الله في العبد بمنزلة الماء في الدنيا ، قال الله تعالى : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) [الأنبياء : ٣٠] فمن لم ينفعه اعتقاد لا إله إلّا الله والاقتداء بسنة رسول الله صلىاللهعليهوسلم فهو ميت. قال سهل : وإني لأعرف رجلا من أولياء الله تعالى اجتاز برجل مصلوب وجهه إلى غير القبلة ، فقال : أين ذلك اللسان الذي كنت تقول به صادقا : «لا إله إلّا الله» ، ثم قال : اللهم هب لي ذنبه. قال سهل :
__________________
(١) تقدم الحديث في نهاية خطبة هذا الكتاب.