وقال السّدي (١) : الحكمة النبوة. وقال : زيد بن أسلم (٢) : الحكمة العقل. وقال الربيع ابن أنس (٣) : الحكمة خشية الله تعالى. وقال ابن عمر : الحكمة ثلاث : آية محكمة ، وسنة ماضية ، ولسان ناطق بالقرآن. وقال أبو بكر : قال سهل : الحكمة إجماع العلوم ، وأصلها السنة ، قال الله تعالى : (وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ) [الأحزاب : ٣٤] فالآيات الفرض ، والحكمة السنة. وأراد سهل من ذلك أن العرب تقول : حكمت الرجل إذا منعته من الضرر والخروج عن الحق مثل قوله : (حِكْمَةٌ بالِغَةٌ) [القمر : ٥] قال : أي تامة ، كما قال : (آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) [الأنبياء : ٧٤] فهي حينئذ بلغت إلى أهلها دون غيرهم ، فهم في كل حال فيها ينطقون ، وإلى أحكامها يفزعون ، وعن معانيها يكشفون ، كما قيل : زاحم الحكماء ، فإن الله يحيي القلوب الميتة بالحكم ، كما يحيي الأرض الميتة بوابل المطر (٤). ثم قال : رأس مال الحكمة ثلاث : الأول رياض النفس في المكروهات ، والثاني فراغ القلب عن حب الشهوات ، والثالث القيام على القلب بحفظ الخطرات ، ومن راقب الله عند خطرات قلبه عصمه عند حركات جوارحه. وقال عمر بن واصل (٥) : (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ) [٢٦٩] أي يؤتي الإصابة في كتابه من يشاء ، كما قال الله تعالى لأزواج النبي صلىاللهعليهوسلم عند تعداد النعم عليهن : (وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ) [الأحزاب : ٣٤] فالآيات القرآن ، والحكمة ما جاء به الرسول صلىاللهعليهوسلم من المستنبط منها ، كما قال علي رضي الله عنه : الآيات رجل آتاه الله فهما في كتابه.
وسئل عن قوله : (لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) [٢٧٣] وعن الفرق بينهم وبين المساكين. فقال : الله تعالى وصف الفقير بصفة العدم من حال سؤال الافتقار واللجأ إليه ،
__________________
(١) السدي : إسماعيل بن عبد الرحمن السدي (... ـ ١٢٨ ه) : تابعي ، حجازي الأصل. كان إماما عارفا بالوقائع وأيام الناس. (الأعلام ١ / ٣١٧).
(٢) زيد بن أسلم العدوي العمري (... ـ ١٣٦ ه) : فقيه مفسر ، من أهل المدينة. كان ثقة كثير الحديث ، وله كتاب في التفسير. (الأعلام ٣ / ٥٧).
(٣) الربيع بن أنس البكري البصري ثم الخراساني (... ـ ١٤٠ ه) : صدوق ، ذكره ابن حبان في الثقات. كان يتشيع فيفرط. (تهذيب التهذيب ٣ / ٢٠٧).
(٤) هذا القول من وصية لقمان الحكيم لابنه ، موطأ مالك ٢ / ١٠٠٢ ؛ وكتاب الزهد لابن أبي عاصم ١ / ١٠٧ وشرح الزرقاني ٤ / ٥٥٢.
(٥) قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ١١ / ٢٢١ : «عمر بن واصل : أظنه بصريّا ، سكن بغداد ، وروى بها عن سهل التستري ، وحدّث عن عبيد الله بن لؤلؤ السلمي».