داود عليهالسلام : يا داود ، انظر لا أفوتك أنا ، فيفوتك كل شيء ، فإني خلقت محمدا صلىاللهعليهوسلم لأجلي ، وخلقت آدم عليهالسلام لأجله ، وخلقت عبادي المؤمنين لعبادتي ، وخلقت الأشياء لأجل ابن آدم ، فإذا اشتغل بما خلقته من أجله حجبته عما خلقته من أجلي (١). قوله تعالى : (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) [٢٢] قال سهل : أي أضدادا. فأكبر الأضداد النفس الأمّارة بالسوء المتطلعة إلى حظوظها ومناها بغير هدى من الله.
وسئل عن قوله : (وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) [٢٥] فقال : ليس في الجنة شيء من فرش ولا آنية ولا لباس ولا طيب ولا طير ، ولا شيء من النبات ، ولا شيء من الفواكه كلها ، فما في الدنيا يشبه ذلك إلّا اتفاق الأسماء فقط ، وذلك أن رمان الجنة لا يشبه رمان الدنيا قط إلّا باتفاق الأسماء فقط ، وكذلك التمر والعناب وأشباه ذلك ، وإنما أراد بقوله : «متشابها» أي في اللون ، مختلفا في الطعم ، وذلك أن الملائكة تأتي الأولياء في الجنة بالتفاح في الغداء ، ثم يأتون به في العشاء ، فيقول الأولياء : هذا ذلك. فيقال لهم : ذوقوه. فإذا ذاقوه أصابوا له غير طعم الأول ، فلا يجوز أن تدفع قدرة الله تعالى أن يؤدي طعم التفاح طعم الرمان واللوز والسفرجل (٢) قال سهل : وإني لأعرف رجلا من الأولياء رأى في الدنيا رمانة كبيرة كأكبر ما كان بين يدي رجل على شاطئ البحر ، فقال له الولي : ما هذا بين يديك؟ فقال : رمانة رأيتها في الجنة فاشتهيتها ، فأتاني الله بها ، فلما وضعتها بين يدي ندمت على استعجالي ذلك في الدنيا. قال له ذلك الرجل : أفآكل منها؟ قال له الرجل : إن قدرت أن تأكل منها فكل ، فضرب بيده إليها فأكل أكثرها ، فلما رآه يأكل منها أعظمه ذلك ، فقال : أبشر بالجنة ، فإني لم أعرف منزلتك قبل أكلك منها ، وذلك أنه لا يأكل من طعام الجنة في الدنيا إلّا من هو من أهل الجنة. قال أبو بكر : فقلت لسهل : هل أخبرك الآكل من تلك الرمانة ما كان طعمها؟ قال : نعم ، فيها طعم يجمع طعوم الفواكه ، ويزيد على ذلك في طعمه لين وبرد ليس هو في شيء من طعوم الدنيا. قال أبو بكر : فلم أشك ولا من سمع هذه الحكاية من سهل إلّا أنه هو صاحب الرمانة والآكل منها.
وسئل عن قوله : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) [٣٠] قال : إن الله تعالى قبل أن يخلق آدم عليهالسلام قال للملائكة : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) وخلق آدم عليهالسلام من طين العزة من نور محمد صلىاللهعليهوسلم ، وأعلمه أن نفسه الأمّارة بالسوء أعدى عدو له (٣) ، وأنه خلقها
__________________
(١) قوت القلوب ١ / ٤٣٠ ، ٢ / ١٣.
(٢) معاني القرآن وإعرابه ١ / ١٠٢.
(٣) يقصد قوله صلىاللهعليهوسلم : (أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك) ، انظر كشف الخفاء ١ / ١٤٨ ، ١٦٠ ، ٢ / ٢٢٢ ، وسيذكر التستري هذا الحديث في تفسير سورة الأحقاف.