قال سهل : لا تستصغر شيئا من الذنوب وإن قل ، فإنهم قالوا : أربعة بعد الذنب أشد من الذنب : الإصرار والاستبشار والاستصغار والافتخار.
وقد قال ابن مسعود رضي الله عنهما : إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه في أصل جبل يخاف أن يقع عليه ، وإن الكافر يرى ذنوبه كذبابة وقعت على أنفه فقال هكذا بيده فطارت (١).
ثم قال سهل : معشر المسلمين لقد أعقبتم الإقرار باللسان واليقين في القلب ، أن الله واحد ليس كمثله شيء ، وإن لكم يوما يبعثكم فيه ويسألكم فيه عن مثاقيل الذر من أعمالكم ، فإن كان خيرا أثابكم فيه ، وإن كان شرا عاقبكم عليه إن شاء ، فحققوه بالفعل.
قيل له : وكيف لنا أن نحققه بالفعل؟
قال : بخمسة أشياء لا بد لكم منها : أكل الحلال ، ولبس الحلال ، وحفظ الجوارح ، وأداء الحقوق كما أمرتم به ، وكف الأذى عن المسلمين ، كيلا يذهب بأعمالكم قصاصا في القيامة ، ثم استعينوا على ذلك كله بالله حتى يتمها لكم.
قيل له : فكيف تصح للعبد هذه الأحوال؟
قال : لا بد له من عشرة أشياء يدع منها خمسا ويتمسك بخمس ويدع وساوس العدو ، ويتبع العقل فيما يزجره ، ويدع اهتمامه لأمر الدنيا ويتركها لأهلها ، ويهتم بالآخرة ويعين أهلها ويدع اتباعه الهوى ويتقي الله على كل حال ، ويترك المعصية ويشتغل بالطاعة ، ويدع الجهل والإقامة عليه حتى يحكم عمله ، ويطلب العلم ويعمل به.
قيل له : وكيف لنا أن نقيمها ونعمل بها؟
قال : لا بد من أربعة أشياء : لا يتعب نفسه فيما كان مصيره إلى التراب ، ولا يرغب فيه ، ولا يتخذ إخوانا مصيرهم إلى التراب ، ولا يرغب فيهم.
قيل : كيف ذلك؟
قال : يعلم أنه عبد ، مولاه عالم بحاله ، شاهد ، قادر على فرحه وترحه ، رحيم به (٢).
والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________________
(١) سنن الترمذي ٤ / ٦٥٨ (رقم ٢٤٩٢) ؛ وسنن البيهقي الكبرى ١٠ / ١٨٨ ؛ ومسند أحمد ١ / ٣٨٣ ؛ وجامع العلوم والحكم ١ / ١٧٤ ؛ والزهد لابن مبارك ١ / ٢٣ ؛ والزهد لهناد ٢ / ٤٤٨ ؛ وفيض القدير ٢ / ٣٧٢.
(٢) وردت أقوال التستري وما سئل عنه في الحلية ١٠ / ٢٠٨ ـ ٢٠٩.