(إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) [الزخرف : ٣] أي بينّاه بلسان عربي مبين ، يعني بحروف المعجم التي بينها الله لكم ، بها تعرفون ظاهرا وباطنا. وقال الله تعالى : (وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ) [الأعراف : ١٥٧] يعني القرآن الذي قلب النبي صلىاللهعليهوسلم معدنه. قيل له : ما معنى قوله : «القرآن حبل الله بين الله وبين عباده»؟ قال : لا طريق لهم إليه إلّا به ، وبفهم ما خاطبهم فيه للمراد منهم به ، والعمل بالعلم لله مخلصين فيه ، والاقتداء بسنة محمد صلىاللهعليهوسلم المبعوث إليهم ، كما قال تعالى : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) [النساء : ٨٠] يعني من يطع الرسول صلىاللهعليهوسلم في سنته فقد أطاع الله في فرائضه.
وقال ابن عباس (١) رضي الله عنهما : أنزل الله تعالى القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا ، ثم نجّمه الله تعالى على النبي صلىاللهعليهوسلم خمس آيات وأقل وأكثر (٢). قوله سبحانه وتعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (٧٥) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (٧٦) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) [الواقعة : ٧٥ ـ ٧٧] وقال ابن عباس رضي الله عنهما : لم ينزل القرآن في شهر ولا في شهرين ، ولا في سنة ولا في سنتين ، بل كان بين نزول أوله ونزول آخره عشرون سنة أو ما شاء الله من ذلك ، وذلك لأن لإسرافيل مكانا في العرش خافض بصره وحوله الملائكة السّفرة الكرام البررة ولوح من زمرّد ، فإذا أراد الله أمرا كان في ذلك اللوح ، فقرع ذلك جبينه ينظر ما فيه ، فبعث الرسل ، فذلك قوله : (فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) [البروج : ٢٢] لأن القرآن أنزل جملة واحدة على السّفرة الكرام الكاتبين ، فنجّمته السّفرة الكرام الكاتبون على جبريل عليهالسلام عشرين سنة ، فنجّمه جبريل عليهالسلام على النبي صلىاللهعليهوسلم كذلك (٣) ، فقال المشركون : لو لا نزل الله عليه القرآن جملة واحدة ، فقال الله تعالى : (كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ) [الفرقان : ٣٢] أي ليكون ذلك جوابا لما يسألونك عنه. إذ لو أنزلناه جملة واحدة لم يكن عندك جواب سؤالهم. وقال سهل : أنزل الله القرآن على خمسة أخماس ؛ خمس محكم وخمس متشابه وخمس حلال وخمس حرام وخمس أمثال. فالمؤمن العارف بالله تعالى يعمل بمحكمه ، ويؤمن بمتشابهه ، ويحلّ حلاله ،
__________________
(١) عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي (٣ ق ه ـ ٦٨ ه) : حبر الأمة ، الصحابي الجليل ، نشأ في بدء عصر النبوة. روى الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وشهد مع علي الجمل وصفين.
(الإصابة : ت ٤٧٧٢ والحلية ١ / ٣١٤).
(٢) البرهان في علوم القرآن ١ / ١٢٨ ؛ والإتقان ١ / ١٤٦ ، ١٥٦ ؛ وفي شعب الإيمان ٢ / ٣٣١ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : (تعلموا القرآن خمسا خمسا ، فإن جبريل عليهالسلام نزل القرآن على النبي صلىاللهعليهوسلم خمسا خمسا).
(٣) الإتقان ١ / ١٤٧.