قوله تعالى : (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) [١٢] قال : نور المؤمن يسعى بين يديه ، له هيبة في قلوب الموافقين والمخالفين ، يعظمه الموافق ويعظم شأنه ، ويهابه المخالف ويخافه ، وهو النور الذي جعله الله تعالى لأوليائه ، ولا يظهر ذلك النور لأحد إلا إن انقاد له وخضع ، وهو من نور الإيمان ، ثم وصف المنافقين أنهم يقولون لهم : (انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) [١٣] فنمضي معكم على الصراط فإنا في الظلمة ، فتقول لهم الملائكة : (ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً) [١٣] بعقولكم التي كنتم تدبرون بها أموركم في الدنيا ، فيرجعون إلى ورائهم ، فيضرب الله بين أنفسهم وبين عقولهم سورا وقد ستر الخيرة ، فلا يصلون إلى طريق هدى ، حتى إذا انتهوا في السير على الصراط سقطوا في جهنم خالدين فيها.
قوله تعالى : (فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ) [١٥] يعني لا يؤخذ منكم فداء عن أنفسكم. قال ابن سالم : خدمت سهل بن عبد الله ستين سنة ، فما تغير في شيء من الذكر أو غيره ، فلما كان آخر يوم من عمره قرأ رجل بين يديه هذه الآية : (فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ) [١٥] فرأيته ارتعد واضطرب حتى كاد يسقط ، فلما رجع إلى حال صحوه سألته عن ذلك وقلت : لم يكن عهدي بك هذا. فقال : نعم يا حبيبي قد ضعفت. فقلت : ما الذي يوجب قوة الحال؟ فقال : لا يرد عليه وارد إلا هو يبتلعه بقوته ، فمن كان كذلك لا تغيره الواردات ، وإن كانت قوية. وكان يقول : حالي في الصلاة وقبل الدخول فيها سواء. وذلك أنه كان يراعي قلبه ، ويراقب الله تعالى بسره قبل دخوله ، فيقوم إلى الصلاة بحضور قلبه وجمع همته.
قوله تعالى : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ) [١٦] قال : ألم يحن لهم أوان الخشوع عند سماع الذكر ، فيشاهدوا الوعد والوعيد مشاهدة الغيب.
قوله تعالى : (فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ) [١٦] قال يعني باتباع الشهوة.
قوله تعالى : (أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) [٢٠] قال : الدنيا نفس نائمة ، والآخرة نفس يقظانة. قيل : فما النجاة منها؟ قال : أصل ذلك العلم ، ثم ثمرته مخالفة الهوى في اجتناب المناهي ، ثم مكابدة النفس على أداء الأوامر على الطهارة من الأدناس ، فيورث السهولة في التعبد والحلول بعده في مقامات العابدين ، ثم يذيقه الله ما أذاق أولياءه وأصفياءه وهي درجة المذاق.
قال : وذكر لنا أن إبراهيم خليل الرحمن عليه الصلاة والسلام أصابه يوما عطش شديد في مفازة يوم شديد الحر ، فنظر إلى حبشي يرعى الإبل فقال : هل عندك ماء؟ فقال : يا إبراهيم أيما أحب إليك الماء أو اللبن؟ فقال : الماء. قال : فضرب بقدمه على صخرة فنبع الماء ، فتعجب