قوله : (شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا) [١١] اعتذروا به ، فحكاه الله لك لتعلم أن الإقبال على الله عزوجل بترك الدنيا وما فيها ، فإنها تشغل عن الله ؛ ألا ترى المنافقين كيف اعتذروا بقولهم : (شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا) [١١].
قوله : (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ) [٢٥] قال : المؤمن على الحقيقة من لا يغفل عن نفسه ، وقلبه يفتش أحواله ويراقب أوقاته ، فيرى زيادته من نقصانه ، فيشكر عند رؤية الزيادة ، ويتفرغ ويدعو عند النقصان ، هؤلاء الذين بهم يدفع الله البلاء عن أهل الأرض ، ولا يكون المؤمن متهاونا بأدنى التقصير ، فإن التهاون بالقليل يستوجب الكثير. قال : فإن العبد لا يجد طعم الإيمان حتى يدع ست خصال : يدع الحرام والسحت والشبهة والجهل والمسكر والرياء ، ويتمسك بالعلم وتصحيح العمل والنصح بالقلب والصدق باللسان والصلاح مع الخلق في معاشرتهم والإخلاص لربه في معاملته. قال : وكتاب الله مبني على خمس : الصدق والاستخارة والاستشارة والصبر والشكر.
قوله : (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها) [٢٦] قال : هي كلمة لا إله إلا الله فإنها رأس التقوى. ثم قال : خير الناس المسلمون ، وخير المسلمين المؤمنين ، وخير المؤمنين العلماء العاملون ، وخير العاملين الخائفون ، وخير الخائفين المخلصون المتقون الذين وصلوا إخلاصهم وتقواهم بالموت ، فإن مثله كمثل راكب السفينة بالبحر ، لا يدري أينجو منه أن يغرق فيه ، والذين تم لهم ذلك أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقوله : (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى) [٢٦].
قوله : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) [٢٧] قيل : ما هذا الاستثناء؟ قال : هذا تعليم للعباد وتأديب لهم بشدة الافتقار إليه في كل وقت وحال وتأكيد ، فإن الحق إذا استثني مع كمال علمه لم يكن لأحد من عباده مع قصور علمهم أن يحكم في شيء من غير استثناء.
قوله تعالى : (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) [٢٩] قال : المؤمن بالله وجه بلا قفا ، مقبل عليه غير معرض عنه ، ذلك سيما المؤمن. وقال عامر ابن عبد قيس : كاد المؤمن يخبر عن مكنون علمه ، وكذلك وجه الكافر ، وذلك قوله : (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ) [٢٩] وقال ابن مسعود رضي الله عنه : سر المؤمن يكون رداء عليه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.