من الغير ، وهو أقدم مما نصبه الله تعالى علما في أرضه وجعله في المسجد الحرام ، كذلك القلب له قلب آخر ، وهو موضع وقوف العبد بين يدي مولاه ، لا يتحرك في شيء إنما هو ساكن إليه.
قوله تعالى : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [٤٦] قال : أليس من نور بصر القلب يغلب الهوى والشهوة ، فإذا عمي بصر القلب عما فيه غلبت الشهوة وتواترت الغفلة ، فعند ذلك يصير البدن متخطيا في المعاصي غير منقاد للحق بحال.
قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) [٥٢] قال : يعني إذا تلا ونفسه ملاحظة للتلاوة ألقى الشيطان في أذنه ، إذ له على النفس فيه شركة ، إذ الملاحظة فيها من هوى النفس وشهوتها ، فإذا شاهد المذكور لا الذكر لها القلب عما سواه ولم يشاهد شيئا غير مولاه ، وصار الشيطان أسيرا من أسرائه ، ألا ترى أن العبد إذا سها في قراءته ، وذكر ربه عزوجل ، فهو يسكن قلبه إلى أدنى حظ من حظوظ النفس ، حتى يجد العدو عليه سبيلا.
وقد قال الحسن : الوسواس وسواسان ، أحدهما من النفس والآخر من الشيطان ، فما كان من ذلك إلحاحا فهو من النفس يستعان عليها بالصيام والصلاة والأدب ، وما كان من ذلك نبذا فهو من الشيطان يستعان عليها بالقرآن والذكر.
قوله : (فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ) [٥٤] قال : صدق الإيمان وحقيقته يورث الإخبات في القلب ، وهو الرقة والخشية والخشوع في القلب وطول التفكر وطول الصمت ، وهذا من نتائج الإيمان ، لأن الله تعالى يقول : (فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ) [٥٤] ، والله سبحانه وتعالى أعلم.