آيات القرآن تتكامل فيما بينها
ولو لا هذه الملاحظة المذكورة التي ترجع المتشابه إلى المحكم ، وتجعل من المحكم قاعدة فكرية تفسيرية للمتشابه ، لكان القرآن في بعض آياته مجملا غامضا لا مجال للاحتجاج به ، أو للتدبر في آياته ، فكيف يكون نورا وهدى وبيانا وتبيانا لكل شيء.
ولعل الدراسة الواعية الدقيقة للقرآن في كل موضوعاته الفكرية والعقيدية والتشريعية ، ومفاهيمه العامة المنفتحة على حقائق الكون والحياة والإنسان وعالم الغيب والشهادة ، توحي للقارىء الباحث بأن آيات القرآن تتكامل في بناء الفكر الإسلامي ، فإذا كانت هذه الآية توحي بمعنى في بادئ الأمر ، فإن الآية الأخرى تفسرها لتلتقي به في معنى واحد ، وإذا جاء الحكم الشرعي في بعضها عاما أو مطلقا ، فإننا نلتقي في بعضها الآخر بما يخصصه أو يقيده ، فلا يجد الإنسان فيه اختلافا بين أفكاره أو تنافرا بين آياته أو غموضا في معانية ، بل هو الوضوح الذي يستمد طبيعته من طبيعة الألفاظ في معانيها الموضوعة ، ومن عمق التدبر في أغوارها العميقة ، ومن المقارنة الموضوعية بينها في عملية التكامل في حركة الأفكار في بنيتها الأساسية ، وهذا هو الذي أراده الله من عباده في الأمر بالتدبر للقرآن في قوله تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء : ٨٢] ، فإن إدراك هذه الحقيقة ، تفرض على الإنسان أن يدرس القرآن كله ـ في جميع آياته وموضوعاته ـ ليأخذ الفكرة الكاملة ، وأن يتعمق في دراسته بعيدا عن القراءة السطحية ، ليعرف كيف يجعل الآية هنا ، مفسّرة للآية هناك ، أو يأخذ من هذه الآية جانبا من المعنى ويأخذ من الأخرى جانبا آخر ، وذلك من خلال الثقافة الواسعة العميقة في اللغة العربية التي تربي له ذوقه