فاختلفوا وتقاتلوا حولهم وحول رسالتهم ، في طريقة الإيمان بها ، أو في أصل الإيمان بها ... فلعل الآية كانت تريد أن توحي بالتقاء الرسل على رسالة الله ، باعتبارها سر شخصيتهم الرسالية ، وبأن تفضيل الله لبعضهم على بعض لم يمنع من هذا اللقاء ، لأن جهات التفضيل لا توجب الخلاف فيما بينهم ليختلف من بعدهم على هذا الأساس ، بل هي من مميزات شخصيتهم ورسالتهم في ما تحتاج إليه من مميزات.
* * *
كيف حدث اختلاف أممهم؟
٥ ـ كيف حدث الاختلاف والتقاتل بين أمم الأنبياء ولماذا؟
لقد قرر الله أنه كان قادرا على أن يمنع الاقتتال والاختلاف بين الأمم بالقوة القاهرة ، التي تجعل من وحدة الإيمان عنصرا من العناصر الذاتية للإنسان كما هو لونه وصفات جسده الأخرى ، ولكنه أراد للإنسان أن يتحرك نحو الإيمان أو الكفر بإرادته واختياره ، من خلال السنّة الكونية التي أراد أن يربط فيها الأسباب بمسبباتها ، مما قد يفرض الكفر إذا تحقق سببه كما يفرض الإيمان إذا تحقق سببه ، الأمر الذي قد يؤدي إلى التقاتل والتنازع في الأجواء الحادّة التي تتجمع ظروفها الموضوعية في هذه الساحة أو تلك. وهذا ما جرت عليه سنة الحياة في ما سنّ الله للحياة من خطط أو قوانين ، ولكن ذلك لا يعني أن الله يرضى به أو يريده في الإطار التشريعي ، بل كان ينهى عنه في هذا الإطار من أجل أن يقود الإرادة الإنسانية للاختيار الأفضل من موقع القناعة الذاتية ، وهذا هو معنى أن الله يفعل ما يريد ، من دون أن يكون ذلك منطلقا من فكرة الجبر ومبتعدا عن فكرة الحرية والاختيار.